ولا يرد هذا لأنّ الكسائيّ يقول بجواز حذفه أو أراد بالحذف الإضمار وقيل أصله والفاء عاطفة وعله بمعنى لعله فخفف بحذف لامه، وهذا يعزي للفراء وهو قول مرغوب عنه ولعل الذاهب إلى هذا مع ما فيه مما مر وتفكيك النظم يراه فيه نظراً إلى أنّ المقصود من قوله: أأنت الخ " هنت معبودات عظاما ومن قوله فعله الخ إنها أجسام غير ناطقة ولا قادرة على دفع الضر عنها فكيف تنفع أو تضر غيرها فحاصله " هنت الآلهة العظيمة فقال لا بل كسرت الأجرام الحقيرة فجملة كبيرهم هذا إما معترضة أو حالية فتأمل. قوله: (وما روي الخ) هذا حديث صحيح أخرجه أبو داود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه وهو جواب عن سؤال مقدّر على الوجه الأول تقديره إنك أوّلته بما ذكر لئلا يصدر الكذب عن النبيّ ﷺ المعصوم وما ورد في الحديث يخالفه. لكنه على هذا كان ينبغي تقديمه على القول الأخير، ويحتمل أنه أخره للإشارة إلى الاعتراض على القول الأخير والمعاريض جمع معراض وهو ما لا يكون المقصود به ظاهره ويذكر تورية وايهاما، ولذا ورد أنّ في المعاريض لمندوحة عن الكذب وقد مرّ الكلام فيه. قوله: (وراجعوا عقولهم) مراجعة العقل مجاز عن التفكر والتدبر فالمراد بالنفس النفس الناطقة والرجوع إليها عبارة عما ذكر وقوله: فقال: بعضهم لبعض إشارة إلى أنّ نسبة القول إلى الجميع مجازية، وقوله: بهذا السؤال أي أأنت فعلت والمقصود به التقرير والتوبيخ والإنكار وقوله: لا من ظلمتموه بالتشديد أي نسبتموه للظلم. وفيه إشارة إلى أنّ أنتم الظالمون يفيد الحصر الإضافي. قوله: (انقلبوا إلى المجادلة الخ) ذكر فيه الكشاف أربعة أوجه مفصلة اعترض! على بعضها بأنه غير مناسب لقوله أفتعبدون الخ ولذا اختار المصنف بعضها وترك باقيها وعبارته أي استقاموا حين رجعوا إلى أنفسهم وجاؤوا بالفكرة الصالحة ثم انتكسوا، وانقلبوا عن تلك الحالة فأخذوا
في المجادلة بالباطل والمكابرة وأنّ هؤلاء مع تقاصر حالها عن حال الحيوان الناطق آلهة معبودة مضازة منهم، أو انتكسوا عن كونهم مجادلين لإبراهيم عليه الصلاة والسلام مجادلين عنه حين نفوا عنها القدرة على النطق أو قلبوا على رؤوسهم حقيقة انتهى والتنكيس قلب الشيء بجعل أعلاه أسفله فأما أن يستعار للرجوع عن الفكرة المستقيمة في تظليم أنفسهم إلى الفكرة الفاسدة في تجويز عبادتها مع عجزها فضلا عن كونها في معرض الألوهية، فقوله: لقد علمت معناه لم يخف علينا وعليك أنها كذلك وانا اتخذناها آلهة مع العلم به والدليل عليه قوله: أفتعبدون الخ ولذا اختاره المصنف رحمه الله أو أنه الرجوع عن الجدال الباطل إلى الحق في قولهم لقد علمت لأنه نفي لقدرتها واعتراف بأنها لا تصلح للألوهية وسمي نكسا وإن كان حقاً لأنه ما أفادهم مع الإصرار ولكنه نكس بالنسبة لما كانوا عليه من الباطل، أو النكس مبالغة في إطراقهم خجلا وقولهم لقد علمت لحيرتهم. أتوا بما هو حجة عليهم أو هو مبالغة في الحيرة وانقطاع الحجة واستحسن الأوّل وهذا أو هو رجوع عن الجدال عنه إلى الجدال معه بالباطل وهو قريب من الثاني. قوله: (شبه عودهم إلى الباطل ايخ) قيل عليه أنه يضيع حينئذ قولهم على رؤوسهم. ورد بأنه من التجريد واستعمال اللفظ في جزء معناه أو من التأكيد بذكر بعض مدلوله مع أنّ النكس يستعمل في مطلق قلب الشيء من حال إلى أخرى لغة فذكره للتصوير والتقبيح لما هم عليه وقوله: نكسوا أنفسهم أي رذوها عما كانت عليه والقراءتان شاذتان أولاهما مشددة بصيغة المجهول والثانية مخففة بصيغة المعلوم مفعوله مقدر. قوله: (وهو على إرادة القول) أي قائلين لقد الخ فهو حال من الضمير وقوله فإنه أي هذا الأمر وقوله: إصرارهم بالباطل ضمنه معنى الاعتراف ولذا عداه بالباء. وقوله: صوت المتضجر هذا أصله وهو أن يصوت به إذا تضجر من استقذار شيء كما قاله الراغب: واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله: قبحا ونتنا أي رائحة خبيثة مستقدرة ثم صار اسم فعل بمعنى أتضجر وفيه لغات كثيرة كما في كتب اللغة وقوله المتأفف له أي المتضجر له. وقوله أخذا أي شروعا في فعل ما يضره من قولهم أخذ يفعل كذا إذا شرع في فعله وقوله: لما بفتح فتشديد ويجوز الكسر مع التخفيف. قوله: (فإنّ النار أهول) أي أعظم وأشد فاختاروها لأنه


الصفحة التالية
Icon