وسرى لآخره، وهو قول الليث وعليه فهو مختص بالليل، وأما سار فعاثم، وقيل: إنه مختص بالنهار، وليس مقلوبا من سرى. قوله: (وفائدته الدلالة بتنكيره الخ) أي مع أق السرى والإسراء لا يكون إلا ليلا فلا حاجة لذكره معه كما أشار إليه ولا فائدة في ادّعاء أنه للتأكيد أو تجريد الإسراء أو استعماله في مطلق السير مع ذكره بعده، وقوله: بقليل المدة أي مدة الإسراء كذا في الكشاف وتبعه المصنف رحمه الله كغيره واعترض عليه بأن البعضية المستفادة من من التبعيضية هي البعضية في الأجزاء والبعضية
المستفادة من التنكير في الأفراد والجزئيات فكيف يستفاد من التنكير أن الإسراء كان في بعض من أجزاء الليل فالصواب أنّ تنكيره لدفع توهم أن الإسراء كان في ليال أو لإفادة تعظيمه كما هو المناسب للسياق والسباق، وأجيب بوجهين: الأوّل أن التبعيض في الأجزاء مقارب لتقليل الأفراد فيستعمل ما لأحدهما في الآخر بأن يراد من ليلا بعضه وهو أبلغ وأدل على المعجزة، الثاني: أن ليلاً وإن كان اسما لمجموع الليلة إلا أنه أريد منه بعضها مجازاً، والمعنى المجازي له أفراد متفاوتة قلة وكثرة فنوّن حينئذ للتقليل، وهذ وجه حسن انتهى، ولا يخفى ما فيه من السماجة فإن التجوز في التنوين بدون التجوّز في الصيغة هنا غير متصوّر، فالجواب الأوّل بدون ملاحظة الثاني غير صحيح، وأمّا الثاني فلا وجه له كما ستراه عن قريب إذا عرفت هذا فالاعتراض لا يرد ابتداء لأن ما ذكر في الكشاف نص عليه الشيخ عبد القاهر في دلائل الإعجاز، فما ذكر من الفرق عمن رووه والذي تمسك به بعض المتأخرين من كلام الرضي لا دليل فيه لمن تأمّله بنظر صادق وليس هذا محل رذه، وقد كتبناه في حواشيه وتحقيق ما ذكره الشيخان على ما صرح به الفاضل اليمني نقلا عن ابن مالك وسيبويه أن الليل والنهار إذا عزفا كانا معيارا للتعميم وظرفا محدودا فلا تقول صحبته الليلة وأنت تريد ساعة منها إلا أن تقصد المبالغة كما تقول: أتاني أهل الدنيا لناس منهم بخلاف المنكر فإنه لا يفيد ذلاث، فلما عدل عن تعريفه هنا علم أنه لم يقصد استغراق السرى له، وهذا هو المراد من البعضية المذكورة، ولا حاجة إلى جعل الليل مجازا عن بعضه، كما أنك إذا قلت: جلست في السوق وجلوسك في بعض أماكنه لا يكون فيه السوق مجازاً كما لا يخفى، وهذا ما أشار إليه المدقق في الكشف أيضا، وقيل: المراد بتنكيره أنه وقع في وسطه ومعظمه كما يقال: جاء فلان بليل أي في معظم ظلمته فيفيد البعضية أيضا، وينافيه ما سيأتي في الحديث، وقوله: قرئ من الليل هي قراءة عبد الفه وحذيفة، وقوله: ومن الليل فتهجد سيأتي وجه تخصيص البعض فيه. قوله: الما روي أنه عليه الصلاة والسلام (الرواية الأولى متفق عليها من حديث مالك بن صعصعة مطوّلاً، وما سيأتي من أنه ﷺ كان نائما في بيت أم هانئ بعد صلاة العشاء فأسرى به ورجع من ليلته وقمق القصة على أئم هانئ الحديث رواه النسائي باختصار عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأورده ابن سعد وأبو يعلى والطبراني من حديث أم هانئ رضي الله عنها مطوّلاً كذا في تخريج
العراقي، وهذا مما يؤيد أنّ الإسراء كان مرّتين مرّة بروحه قبل البعثة، ومرة بجسده بعدها، وبهذا يجمع بين ما في الروايات من الاختلاف مع صحتها ثم إنه لكون رؤيا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تقع بعينها وتجيء كفلق الصبح أسرى به بعد ذلك حقيقة وكان الإسراء الروحانيّ تقدمة لهذا وتعليما لطريق الدخول في حظائر القدس فافهم، والحجر بكسر الحاء المهملة وسكون الجيم وبالراء المهملة ما يلي الميزاب من المحوطة المعروفة المفرزة من البيت بحائط قصير. قوله: (بين النائم واليقظان) اليقظان بسكون القاف صفة من اليقظة بفتحها ولا تسكن إلا في ضرورة الشعر كقوله:
فالعمرنوم والمنية يقظة والمرء بينهما خيال ساري...
والمراد بكونه بينهما أنه قد عرضت له سنة وفتور يعتري قبل النوم على ما هو عادته صلى الله عليه وسلم
إذا نزل عليه الوحي وهو مستيقظ حقيقة، والبراق بضم الباء من دوالت الجنة سمي به لشدة سرعته كالبرق الخاطف. قوله: (أو من الحرم) عطف على قوله: من المسجد الحرام بمعنييه فعلى الأوّل هو من نفس المسجد وعلى هذا ليس منه نفسه، وقوله: وسماه الخ أي أطلقه عليه توجيه لإطلاق المسجد الحرام على


الصفحة التالية
Icon