أصل القرار مصدر قرّ يقر قراراً بمعنى ثبت ثبوتا ثم أطلق على المستقر بالفتح وهو محله مبالغة كقوله: ﴿جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ
قَرَارًا﴾ ولذا فسره المصنف رحمه الله به والمراد به هنا الرحم والمكين المتمكن ولذا تيل لذي القدرة والمنزلة فهو وصف لذي المكان وهو النطفة هنا فوصف به محلها على أنه مجاز أو كناية عن حصين أو إسناد مجازي أي مكين صاحبه فحصين بيان احاصل معناه فقوله: يعني الرحم تفسير المستقرّ بالفتح. وقوله: وهو يعني به المكين وللمستقر بكسر القاف وهو المتمكن. وقوله مبالغة على الإسناد المجازي كطريق سائر وفي الكشاف وجه آخر وهو أن الرحم نفسها متمكنة فلا تنفصل لثقل حملها أو لا تمج ما فيها فهوكناية عن جعل النطفة محرزة مصونة. وقوله: كما عبر عنه بالقرار التشبيه في مجرّد المبالغة إذ جعل عين القرار كرجل عدل لا في وصف المحل بوصف المستقرّ كما قيل لأنّ القرار من الأمور النسبية. وقوله: علقة حمراء أي قطعة دم متجمدة. قوله: (بأن صلبناها) الخلق هنا بمعنى الإحالة لا الإيجاد المتعارف أو إيجاد صورة أخرى وتغيير التعبير ليس مجرّد تفنن كما قيل لأن إحالة الأولى ظاهرة لتغيير ماهيته ولونه وفي الثاني هو باق على لونه وإنما ازداد تماسكا واكتنازاً فلذا عبر بالتصيير وفي الثالث جعل بعضه صلباً يابسا كبقية العظام. قوله: (فكسونا العظام لحما) أي جعلنا. محيطا بها ساتراً لها كاللباس وذلك اللحم يحتمل أن يكون من لحم المضغة بأن لم تجعل كلها عظاما بل بعضها، وهو الظاهر ولذلك قدمه بقوله: مما بقي الخ ويحتمل أن يكون خلقه الله عليها من دم في الرحم واليه أشار بقوله أو مما أنبتنا الخ. قوله: (واختلاف العواطف الخ (يعني عطف بعضها بثم الدالة على التراخي وبعضها بالفاء التعقيبية مع أنّ الوارد في الحديث من أن مدة كل استحالة أربعين يوما يقتضي أن يعطف الجميع بثم إن نظر لتمام المدة أو لأولها. أو بالفاء إن نظر لآخرها كما قال النحاة إنّ إفادة الفاء الترتيب بلا مهلة لا ينافي كون الثاني المترتب يحصل بتمامه في زمان طويل إذا كان أوّل أجزائه متعقبا لآخر ما قبله وهذا يصحح عطف بعضها على بعض بثم وبعضها بالفاء لكنه لا يتمّ به الجواب كما توهم إذ لا بدّ من المرجح للتخصيص واليه أشار المصنف بقوله لتفاوت الاستحالات يعني أنّ بعضها مستبعد حصوله مما قبله وهو المعطوف بثم فجعل الاستبعاد عقلاً أو رتبة بمنزلة التراخي والبعد الحسيّ لأنّ حصول النطفة من أجزاء ترابية غريب جدا. وكذا جعل تلك النطفة البيضاء دماً أحمر بخلاف جعل الدم لحماً مشابها له في اللون والصورة وكذا تثبيتها وتصليبها حتى تصير عظماً لأنه قد يحصل ذلك بالمكث فيما يشاهد وكذا مد لحم المضغة عليه ليستره وهذا ما عناه المصنف فافهم. قوله:
(والجمع لاختلافهابم أي جمع العظام دون غيرها مما في الأطوار لأن العظام متغايرة هيئة وصلابة بخلاف غيرها ألا ترى عظم الساق وعظم الأصابع وأطراف الأضلاع. وقوله: اكتفاء باسم الجنس الصادق على القليل والكثير مع عدم اللبس هنا كما في نحو قوله:
كلوا في بعض بطنكم تعفوا
وفيه مشاكلة لما قبله كما ذكره ابن جني وأفراد أحدهما صادق بأفراد الأوّل وجمع الثاني وعكسه وبهما قرئ. قوله: (هو صورة البدن (أي المراد بهذا الخلق تمييز أعضائه وتصويره وجعله في أحسن تقويم وهو المناسب لقوله: فتبارك أو المراد بالخلق الآخر الروح لأنه مغاير للأوّل وأعظم ورتبته أعلى فلذا عطف بثم ووصف بآخر فمعنى أنشأناه أنشأنا له أو فيه وكذا إذا أريد به القوى الحساسة ونحوها. وقوله: بنفخه فيه ضمير نفخه للروج وذكر لتأويله بمخلوف ونحوه وضمير فيه للبدن أو للإنسان المفهوم منه والجار والمجرور إمّا متعلق بأنشأنا أو بمقدر وهو إما ناظر إلى القوى أو إليها لىالى الروح يعني أن إنشاء الروح نفخها في البدن وانشاء القوى بسبب نفخ الروح فمن قصر فقد قصر ومن قال: يعني نفخ الله الروح أو القوى في البدن فقد تساهل فتدبر. وقوله لما بين الحلقين من التفاوت أي الرتبي أو الزماني. وقيل: المراد الرتبي لا الزماني لتحققه في الجميع بخلاف الرتبي كما مرّ. قوله: (واحتج به أبو حتيفة الخ (أفرخت بمعنى أخرجت فرخها وقد قيل إن في احتجاج الحنفية بهذا نظراً لأن مباينته للأوّل لا تخرجه عن ملكه. ورد بأن بالمباينة يزول الاسم وبزواله يزول الملك عنده كما تقرّر في الفروع. وقيل تضمينه الفرخ لكونه جزءاً من المغصوب