لزوم الفرضي
والإيجاب وقد فسر بفصلناها فهو من الفرض بمعنى القطع ويجري فيه ما ذكر. قوله: (فتتقون المحارم) قال الإمام ذكر الله في أوّل السورة أنواعا من الأحكام والحدود وفي آخرها دلائل التوحيد فقوله فرضناها إشارة إلى الأحكام المبينة أوّلاً، وقوله وأنزلنا فيها آيات بينات إشارة إلى ما بين من دلائل التوحيد ويؤيده قوله لعلكم تذكرون فإنّ الأحكام لم تكن معلومة حتى يؤمر بتذكرها، وأشار المصنف رحمه الله إلى جوابه بأن لعلكم تذكرون راجع للأحكام أيضا لأنه تذييل لجميع ما قبله والمقصود من التذكير غايته وهو اتقاء المحاربم فلا حاجة لما ذكر. قوله: (أي فيما فرضنا أو أنزلنا الخ) في كتاب سيبويه أمّا قوله عز وجل الزانية والزاني الخ وقوله: والسارق والسارقة الخ فإنّ هذا لم يبن على الفعل ولكنه مثل قوله: ﴿مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ﴾ [سورة الرعد، الآية: ٣٥] ثم قال فيها أنها رفيهاً كذا فإنما وضع المثل للحدث الذي بعده فذكر أخبارا وأحاديث فكأنه قال ومن القصص مثل الجنة أو مما يقص عليكم مثل الجنة فهو محمول على هذا الإضمار وكذلك الزانية والزاني لما قال سورة أنزلناها وفرضناها قال في الفرإئض ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي﴾ [سورة النور، الآية: ٢] ثم جاء فاجلدوهما فجاء بالفعل بعد أن مضى فيهما الرفع كما قال:
وقائلة خولان فانكح فتاتهم
فجاء بالفعل بعد أن عمل فيه المضمر وعلى هذا قوله: واللذان ياتيانها منكم فآذوهما،
وقد قرأ أناس والسارق والسارقة والزانية والزاني بالنصب وهو في العربية على ما ذكرت لك من القوّة ولكن أبت العامة إلا الرفع في ذلك انتهى يعني أنّ النهج المألوف في كلام العرب إذا أ! يد بيان معنى وتفصيله اعتناء بشأنه أن يذكر قبله ما هو عنوان وترجمة له وهذا لا يكون إلا بأن يبنى على جملتين فالرفع في نحوه أفصح وأبلغ من النصب من جهة المعنى وأفصح من الرفع على أنه جملة واحدة من جهتهما معا لما عرفت ولما يلزمه من زيادة الفاء وتقدير إمّا ووقوع الإنشاء خبرا كما فصل في شرح الكتاب إذا عرفت هذا فههنا أمور منها إنه مرّ في المائدة قوله في الكشاف وقرأ عيسى بن عمر بالنصب وفضلها سيبويه على قراءة العامة لأجل الأمر وتبعه ابن الحاجب وليس في كلام سيبويه شيء مما ذكراه كما سمعته ولم ينبهوا عليه، ومنها أنّ الشارح العلامة رحمه الله قال عندي أن مثل هذا التركيب لا يتوجه إلا بأحد أمرين زيادة الفاء كما نقل عن الأخفش أو تقدير أمّا لأنّ جواز دخول الفاء في خبر المبتدأ إفا لتضمنه معنى الشرط وامّا لوقوع المبتدأ بعد إمّا ولما لم يكن الأوّل وجب الثاني، وقيل ربما دخلت الفاء الخبر إذا كان في المبتدأ معنى يستحق به أن يترتب عليه الخبر كما في قوله: وقائلة خولان الخ فإنّ في هذه القبيلة شرفا وحسنا بسببه أمر بنكاح نسائهم وهو راجع إلى تضمن معنى الشرط وقد عرفت أنّ في أبتنائه على جملتين ما يغني عن هذا التكلف ومنها أنه قيل إنّ سبب الخلاف أنّ سيبويه والخليل يشترطان في دخول الفاء الخبر كون المبتدأ موصولا بما يقبل مباشرة أداة
الشرط وغيرهما لا يشترط ذلك وليس هذا مبني الكلام وإنما هو من عدم الوقوف على المقصود لما مرّ. وقوله حكمهما إشارة إلى أنّ في الكلام مضافا مقدراً وإذا بني الكلام على جملتين فالفاء سببية لا عاطفة وقيل زائدة. قوله: (لتضمنها) وفي نسخة لتضمنهما وهي أظهر وقوله وقرئتا بالنصب على إضمار فعل الخ قيل دخلت الفاء لأنّ حق المفسر أن يذكر عقب المفسر كالتفصيل بعد الإجمال في قوله فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ويجوز أن تكون عاطفة والمراد جلداً بعد جلد وذلك لا ينافي كونه مفسراً للمعطوف عليه لأنه باعتبار الاتحاد النوعي ولا يخفى أنّ المفسر إذا كان فيه إيضاح وتفصيل يعطف بالفاء وقد يعطف بالواو أمّا إذا اتحد لفظهما فلم يعهد عطفه عند النحاة ولو جازت المغايرة المذكورة لجاز زيدا فضربته وهو ممنوع بالاتفاق وما ذكر تكلف لم نر أحدا ذكره من النحاة فالظاهر ما قاله ابن جني من أنها جوابية لما في الكلام من معنى الشرط ولذا حسنت مع الأمر كما أشار إليه المصنف لأنه في معناه ألا تراه جزم جوابه لذلك إذ معنى أسلم تدخل الجنة إن تسلم تدخل الجنة والمراد كما في بعض شروح الكشاف إن أردتم معرفة حكم الزانية والزاني فاجلدوا الخ ولذ لم يجز زيداً فضربته لأنّ الفاء لا تدخل في جواب الشرط إذ كان ماضياً، وتقديره إن أردتم معرفة الخ أحسن من تقدير إن جلدتم لأنه لا يدلّ على الوجوب


الصفحة التالية
Icon