وكم من متزوّج فقير بأنه مقيد بالمشيئة بدليل سمعيّ. وهو الآية المذكورة أو عقليئ وهو أنّ الحكيم لا يفعل إلا ما اقتضته المصلحة كما في الكشاف لكن هذا مبنيّ على مذهبه كما قيل والأولى أن يقال: إنه من قوله: عليم حكيم. كما فسره به لأن مآله إلى المشيئة ففي هذه دلالة عليه. وهو كلام حسن فإن قيل: كذلك العزب غناه بالمشيئة فلا وجه للتخصيص قيل إنه تقرر في الطباع أنّ العيال سبب الفقر ولذا سموها سوس المال فالمراد دفع هذا التوهم لا التخصيص فالمعنى أن النكاح لا يمنع الغنى فعبر عن نفي المانع بوجوده معه.
كقوله: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ [سورة الجمعة، الآية: ١٠] ظاهره الأمر بالانتشار والمقصود أنه لا مانع منه فعبر به عنه مبالغة وهو تحقيق بديع وفي الجواب الأوّل نظر إليه. وأمّا ما قيل في الجواب من أنّ الغنى للمتزوّج أقرب وتعلق المشيئة به أرجى للنص على وعد المتزوّجين دونهم كما هو كذلك بالاستقراء فيأباه النص على خلافه في قوله: ﴿وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ﴾ [سورة النساء، الآية: ١٣٠] بل في هذه الآية لما في الكشاف وشرحه في قوله: ﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾ [سورة النور، الآية: ٣٣] إنه وعد من الله بالتفضل عليهم بالغنى وهم غير متزوّجين والحاصل أنه أمر للأولياء أن لا يبالوا بفقر الخاطب مع صلاحه ثقة بلطفه تعالى في الإغناء. ثم أمر الفقراء بالاستعفاف إلى وجدان الغنى تأميلاً لهم وأدمج فيها أن مدار الأمر على العفة والصلاج وأنه مع ذلك وعد المتزوّج والعزب معا بالإغناء فلا ورود للسؤال أصلا وليس ذهابا إلى القول بالمفهوم كما توهم. وكون قوله تعالى: ( ﴿إِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً﴾ (الخ وارداً في منع الكفار عن الحرم فكونها مشروطة بالمشيئة لا يدلّ على مشروطبة ما هنا ليس بشيء كما توهم وقوله: اطلبوا الغنى في هذه الآية. قال بعضهم إنه لم يقف عليه في كتب الحديث إلا أنه روي بمعناه وهو التمسوا الرزق بالنكاج. قوله: (لا تنفد نعمته) أي لا يفنى إحسانه ولا يتناهى لعدم تناهي قدرته على إيجاده وإعطائه ولما كان المتبادر أن يردف قوله واسع بكريم ليكونا تذييلاً لما قبلهما إشار بقوله: في تفسيره يبسط الرزق أي يوسعه ويقدر بزنة يضرب أي يضيقه إلى أنّ عليم تكميل لقوله واسع كقوله: حليم إذا من الحلم زين أهله مع الحلم في عين العدوّ مهيب...
إذ مقتضى السعة والقدرة أن لا يضيق على أحد فدفعه بأنه لعلمه بأحوالهم واللائق بهم لا
يفعل إلا ما تقتضيه حكمته. قوله: (وليجتهد في العفة الخ) هو مأخوذ من السين الطلبية وفي الكشاف كأنه طالب من نفسه العفاف وحامل لها عليه أي جرّد من نفسه شخصا يطلبه منه وهو من حيز التجريد كما في قوله: يستفتحون ومرّ تحقيقه. وقوله: أسبابه وفي نسخة استطاعته هو إمّا على المجاز أو تقدير المضاف فيه. قوله: (ما ينكح به) فعال يكون صفة بمعنى مفعول ككتاب بمعنى مكتوب واسم آلة كركاب لما يركب به وهو كثير كما نص عليه أهل اللغة ولم يذكره الصرفيون لكونه غير قياسيّ فهو حقيقة. وما قيل: من أنه من إطلاق اسم المسبب على السبب كقوام ولجام لما يقام ويلجم به وهم مع أنّ اللجام معرب ليس في شيء مما نحن فيه. قوله:) أو بالوجدان الخ) وهو مجاز أو كناية كقوله ﴿اقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ﴾ كما فصله الراغب وقوله المكاتبة أي أنّ الفعال مصدر بمعنى المفاعلة كالعتاب بمعنى المعاتبة وكذا شامل للمال والخدمة وقوله: من الكتاب أي مأخوذ منه. وقوله: بنجوم جريا على الغالب فهو شامل للنجم الواحد عندنا ومذهب المصنف رحمه الله لا بد من تعدده فهو على ظاهره. قوله: (والموصول الخ) فالخبر الإنشائي بتقدير مقول فيه كما هو معروف في نظائره وقد مرّ في المائدة أنه لا حاجة إلى تأويل مثله لأنه في معنى الشرط والجزاء وقوله: أو مفعول فهو من باب الاشتغال ووقوع الفاء في المفسر لتضمنه الشرط أيضا كما مرّ. فما قيل: إنّ تضمن معنى الشرط على ألابتداء والخبر. وعلى الإضمار والتفسير الفاء لأنّ حق المفسر أن يعقب المفسر والمراد كتابة بعد كتابة لكثرة الموالي والمكاتبين غير متوجه. وقوله: والأمر الخ قد عرفت ما فيه فتذكره. قوله: (والآمر فيه للندب) وذهب بعضهم إلى أنه للوجوب بشرط الخيرية. وقوله: لأنّ الخ دليل عدم الوجوب والإرفاق إفعال من الرفق بالعبد بتخليصه من الرق. وقوله: لأنّ المطلق لا يعم الخ ردّ على الحنفية إذ خالفوا ما ذهب إليه الشافعي في تجويز الكتابة الحالة استدلالاً بالاطلاق هنا لأنّ المطلق غير العام وقد قالوا إنّ الكتابة


الصفحة التالية
Icon