الإشارة إلى ما سبق من حال المؤمنين وجزائهم أحسن الجزاء والضدية في كونها غير مجزى عليها أو معاقب بها والمراد أنها لا ت! طصه من خلود العذاب إن قلنا إنه يجازي على ما يشترط فيه الإيمان أو المراد الأعمال المشروطة به كما سيأتي تفصيله وقوله: يسرب الخ إشارة إلى وجه التسمية وأن السراب بمعنى الجاري في الأصل لأنه في النظر يتوهم كذلك. وقوله: وقيل جمعه أي القاع جمع القيعة وقيعات أمّا جمع قيعة فيرسم بتاء طويلة أو مفرد كفرهاة بمعنى قاع فتاؤه مدوّرة وقيل ألفه للإشباع وأصله قيعة والديمة مطرد أيم بلا برق ورعد والذين كفروا معطوف على ما قبله عطف القصة على القصة أو على مقدر ينساق إليه ما قبله وجملة يحسبه صفة سراب أو مستأنفة وفسر الظمأ بالعطش وقد قيل إنه أشده وكلاهما صالح هنا. قوله: (وتخصيصه لتشبيه الكافو به) أي
تخصيص الظمآن بالذكر مع انه يتراءى لكل أحد كذلك فكان الظاهر الرائي بدله لما ذكر ولم يرد أنّ المراد بالظمان هنا الكافر كما في الكشاف وان صح إوادته أيضا من أنه شبه ما يعمله من لا يعتقد الإيمان بسراب يراه الكافر بالساهرة وقد غلبه عطش القيامة فيحسبه ماء فيأتيه فلا يجده ويجد زبانية الله عنده يأخذونه فيسقونه الحميم والغساق وفي شرحه إنما قيده به ولم يطلقه لقوله: ووجد الله الخ لأنه من تتمة أحوال المشبه به وهو أبلغ لأنّ خيبة الكافر أدخل وأعرق ونحوه مثل ما ينفقون في هذه الحيوة الدنيا الخ فإنّ الكافرين هم الذين يذهب حرثهم بالكلية يعني أنه شبه أعمال الكفار التي يظنونها نافعة وماكها الخيب برؤية الكافر الشديد العطش في المحشر سراباً يحسبه شرابا فينتظم عطف وجد الله أحسن انتظام كما نوّروه وهو تشبيه تمثيلي أو مقيد ولا مفرّق كما توهم فلا يلزم من اتحاد بعض المفردات في الطرفين تشبيه الشيء بنفسه كاتحاد الفاعل في أراك تقدم رجلا وتأخر أخرى فلا وجه لما قيل إنّ جعل الظمآن هو الكافر حتى تطرد الضمائر للظمآن يؤول لتشبيه الشيء بنفسه كما قيل:
وشبه الماء بعد الجهد بالماء
يعني قول بعض الشعراء في حمام:
لله يوم بحمام نعمت به والماءمن حوضه مابينناجاري...
كأنه فوق مسعاة الرخام ضحى ماء يسيل على أثواب قصار...
فإنه عيب عليه حتى قال فيه بعضهم:
وشاعر أوقد الطبع الذكيّ له فكاد يحرقه من فرط لألاء...
أقام بعمل أياما رويته وشبه الماءبعدالجهدبالماء...
وليس بشيء لما عرفت وكذلك هذا الشاعر فإنه شبه هذا ااهـ خام الأبيض في الحمام بشقة قصار بيضاء جرى عليها الماء ولم يرد تشبيه الماء ولكن لما ذكره في الطرفين جاء بارداً فأشار الشاعر إلى برودته بما ذكره وليس في الآية ما يضاهي ذلك فافهم فإنه من النكات الأدبية. قوله تعالى: ﴿لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا﴾ قيل يجوز أن يكون شيئاً بدلاً من الضمير ويجوز إبدال النكرة من المعرفة بلا نعت إذا كان مفيداً صرّح به الرضي أو حالاً أو وجد من أخوات ظن فشيثا مفعول ثان. قوله: (مما ظته) فسره به إشارة إلى أنّ الحسبان بمعنى الظق وهو المشهور وأن فرق بينهما الراغب بأن الظن أن يخطر النقيضين بباله ويغلب أحدهما على الآخر والحسبان أن يحكم باحدهما من غير أن يخطر الآخر بباله وقيده به لدفع ما يتوهم من التناقض بين مجيئه له وكونه غير شيء ولذا قيل إنّ المراد بكونه غير شيء أنه غير معتد به والتوهم في كلامه مقابل اليقين فيشمل الظن فليس في كلامه شيء ويدفعه أيضاً تقدير مضاف وهو موضعه وإذا لم يقدر فمجيئه
بناء على توهمه وقيل إنّ في جاءه حينئذ إسنادا مجازيا وفيه نظر. قوله: (ووجد الله عنده) أي عند السراب أو العمل لا الظمآن كما قيل وأفرد الضمير باعتبار كل واحد وهذه الجملة معطوفة على لم يجده ولا حاجة إلى عطفه على ما يفيده من نحو لم يجد ما عمله نافعاً وهذا تشبيه بليغ وقع مثله في قول مالك بن نويرة:
لعمري إني وابن جارود كالذي أراق شعيب الماء والآل يبرق...
فلما أتاه خيب الله سعيه فأمسى بغض الطرف عيمان يشهق...


الصفحة التالية
Icon