لجين الماء أو لبيان أنه ليس سحاب رحمة ومطر. وقوله: مرادفة إشارة إلى أنّ الفوقية ليست
حقيقية وجملة إذا أخرج الخ صفة ظلمات. قوله: (لم يقرب الخ) أي لم يقرب من الرؤية فضلاً عنها كما سنحققه والشعر المذكور لذي الرمة من قصيدة حائية له منها:
هي البر والأسقام والهم والمنى وموت الهوى في القلب مني المبرح...
وكان الهوى بالنأي يمحي فينمحي وحبك عندي منجد ومبرح...
إذا غيرالنأي المحبين لم يكد رسيس الهوى من حب مية يبرح...
والنأي البعد وروي الهجر والرسيس الثابت. والمراد القديم العهد وهو من إضافة الصفة للموصوف وفيه إشارة إلى أنّ كاد كغيرها في النفي والإثبات لا أنّ نفيها إثبات وإثباتها نفي مطلقا، أو في بعض الأحوال كما زعمه بعض النحاة، وزعم أنّ ابن شبرمة خطا ذي الرمة في هذا وناداه يا غيلان أراده قد برح ففكر ثم بدله بقوله: لم أجد، واعلم أنه قد جرى في العرف أن يقال ما كاد يفعل ولم يكد يفعل في فعل قد فعل بجهد مع استبعاد فعله. كقوله: فذبحوها وما كادوا يفعلون فلما ورد نفيه على هذا توهم ابن شبرمة وذو الرمة أنه إذا قال لم يكد فقد زعم أنّ الهوى قد برح وليس الأمر كذلك فإنّ الذي يقتضيه لم يكد يفعل وما كاد يفعل أنّ الفعل لم يكن من أصله ولا قارب في الظن أن يكون ولا يشك في هذا وقد علم أنّ كاد موضوعة لشدة قرب الفعل من الوقوع ومشارفته فمحال أن يوجب نفيه وجود الفعل لأنه يؤدّي إلى أن يكون ما قارب كذلك فالنظر إلى أنه إذا لم يكن المعنى على أنّ ثمة حال يبعد معها أن يكون ثم تغيرت كما في قوله: فذبحوها الخ يلتزم الظاهر ويجعل المعنى أنّ الفعل لم يقارب أن يكون فضلاً عن أن يكون فمعنى بيت ذي الرمة أنّ الهوى لرسوخه في القلب وتملكه للنفس بحيث لا يتوهم عليه البراح، وأنه لا يقارب من أن يوجد فضلاً عن الوجود ثم إنهم قالوا في تفسير هذه الآية لم يرها ولم يكد أن يراها فبدؤوا بنفي الرؤية وعطفوا عليها لم يكد لا أنّ سبيله سبيل ما كاد في قوله وما كادوا يفعلون وهو نفي معقب على إثبات وليس المعنى على أنّ الرؤية كانت بعدما كادت لا تكون ولكن أنها ما قاربت الكون فضلاً عنه ولو كان لم يكد يوجب وجود الفعل كان محالاً كقولك لم يرها ورآها، واعلم إن لم يكد في الآية والبيت جواب إذا فيكون مستقبلا واذ قلت إذا خرجت لم أخرج فقد نفيت خروجا في المستقبل فاستحال أن يكون المعنى فيهما على أنّ الفعل قد كان. هذا خلاصة ما حققه الشيخ في دلائل الإعجاز فإذا علمت هذا فنفي كاد أبلغ من نفي الفعل الداخلة عليه لأنّ نفي مقاربته يدل على نفيه بطريق برهاني إلا أنه إذا وقع في الماضي لا ينافي ثبوته في المستقبل وربما أشعر بأنه وقع بعد اليأس منه. كما في قوله: وما كادوا يفعلون وإذا وقع في المستقبل لا ينافي وقوعه في الماضي فإن قامت قرينة على ثبوته فيه أشعر بأنه انتفى نفيا وأيس منه بعد ما كان ليس كذلك كما في هذه الآية فإنه لشدة الظلمة لا يمكته رؤية يده التي كانت نصب عينه فلك أن تقول إنه مراد من قال
نفيها إثبات وإثباتها نفي لأنّ نفيها في الماضي يشعر بالثبوت في المستقبل وعكسه كما سمعته وهذا وجه تخطئة ابن شبرمة وتغيير ذي الرمة لأنّ مراده أنّ قديم هواها لم يقرب من الزوال في جميع الأزمان ونفيه في المستقبل يوهم ثبوته في الماضي فلا يقال إنهما من فصحاء العرب المستشهد بكلامهم فكيف خفي هذا عليهما ولذا استبعده في الكشف وذهب إلى أنّ هذه القصة موضوعة فاحفظه فإنه تحقيق أنيق. وتوفيق دقيق سنح بمحض اللطف والتوفيق. قوله: (والضمائر) يعني في قوله: ﴿إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ﴾ [سورة النور، الآبة: ٤٠] وقوله: من لم يقدر الخ أوّله لئلا يكون كقولك الثابت ثابت ومنهم من قال: معناه من لم يكن له نور في الدنيا لا نور له في الآخرة. وقيل إنه إشارة لما ورد في حديث خلق الله الخلق في ظلمة ثم رس عليهم من نوره فمن أصابه منه اهتدى ومن أخطأه ضل وتنوين نور الثاني للتقليل أي لا شيء له من النور. قوله: (ألم تعلم الخ) قيل هو إشارة إلى أنّ الرؤية هنا علمية لا بصرية وأنّ إطلاقها على الأوّل استعارة أو مجاز بعلاقة اللزوم وإليه أشار في الأساس وفيه نظر لأنهم ذكروا رأي العلمية في نواسخ المبتدأ والخبر


الصفحة التالية
Icon