أظهر مما ذكره المصنف وعدل عنه لأنّ ما ذكره أبلغ منه والمراد بالإفراد عظماؤهم وأكمل أوقاتها هو الوحي بالملائكة لا بإلهام ومنام ونحوه أو المراد به رؤية الملك جهاراً معايناً على صورته لأنه هو الذي اقترحوه وضمير أوقاتها للأفراد وأنثه لظاهر الجمع ولو قال أوقاتهم. كان أظهر ويمكن أن يقال الضمير للنبوّة المفهوم منه وما هو أعظم رؤية الله عياناً وهو بالواو وفي نسخة بأو جريا على ظاهر النظم وعلى الأولى يصح كون ما استفهامية أي وأيّ شيء أعظم من ذلك فيكون ما يتفق شاملاً لهما معا فلا يرد عليه أنه يفوت بيان فساد طلبهم الرؤية وكوفه أعظم مع أنه بعيد.
قوله: (بالغاً الخ) تفسير لقوله كبيراً وعتوّاً مصدر جاء هنا على الأصل وأمّ عتيا في سورة
مريم فللفاصلة كما مرّ تحقيقه وما عدت الخ أي منعت وهو ما مرّ ويحتمل أن يكون استكبروا وعتو الفا ونشرا لقوله: لولا أنزل الخ. وقوله: واللام أي في قوله لقد والقسم لتأكيد ما ذكر وتحقيقه ووجه حسن الاستئناف هنا أنه لما ذكر قبله أمر عظيم يقتضي إنكاره والتعجب منه وعدل عن مقتضى الظاهر فيه حتى كأنه لم يتمالك بعده إن ذكر شناعة فعلهم مؤكدة بالقسم فأفاد التعجب لوقوعه في موقع يقع في مثله التعجب وهذا أمر ذوقي والإشعار بالتعجب من السياق كما بيناه وما ذكره من الشعر نظيره وفي الكشاف وفي فحوى هذا الفعل دليل على التعجب من غير لفظ تعجب ألا ترى أنّ المعنى ما أشد استكبارهم وما أكبر عتوّهم وما أغلى ناباً بواؤها كليب. وقال الشارح: ونحوه قوله: كبر مقتا (وفيه بحث) لأنّ ما ذكر في النظم مسلم لأنه كقوله: لمن جنى جناية فعلت كذا وكذا استعظاما وتعجباً منه ومثله كثير في سائر الألسنة لكن البيت وما مثل به الشارح ليس من هذا القبيل لأنّ الثلاثي المحوّل إلى فعل لفظاً أو تقديرا موضوع للتعجب كما صرّح به النحاة وقد مرّ تفصيله في أوّل الكهف وهذا مما يتعجب
منه. قوله: (وجارة جساس البيت) من قصيدة لمهلهل وجساس لقب مرّة بن ذهل الشيباني قاتل كليب وجارته هي البسوس بنت منقذ التميمية وهي خالة جساس وقصتها معروفة والناب الناقة المسنة وأبأت القاتل بالقتيل إذا قتلته به قصاصا من البواء وهو التساوي. وقوله: غلت بالمعجمة أي! اأغلا! اإذا قل فيها كليب فهو محل الاستشهاد كما مرّ. ووقل: أو العذاب أي في القيامة قيل وهو المناسب لقوله: وقدمنا الخ وفيه نظر. قوله: (ويوم نصب باذكر الخ) وعلى هذا فهو مفعول به لا ظرف إلا بتأويل كما مرّ منصوب لا مبني وان جاز في إضافته للجملة ولو مضارعية لأنّ أصل الفعل البناء واعرابه أمر عارضي وعلى الثاني متعلقه ما دلّ عليه لا بشرى كما ذكره المصنف أو نفسه مقدراً وفيه وجوه أخر. وقوله: يمنعون الخ إشارة إلى المقدّر قيل والأحسن أن يقدر لا يبشر لما فيه من التهويل لأنّ ما ذكره يقتضي أنّ ثمة بشرى لهم ولكن لا تقع وليس بشيء لأنّ ذكر البشرى المنفية فيها تحسير لهم على ترك الفطرة التي كانت تقتضي ذلك ومثله على طرف الثمام. قوله: (تكرير) فهو تأكيد للأوّل أو بدل منه متعلق بما يتعلق به، أو خبر لا واعترض أبو حيان على الأوّل بأنّ عامله حيئ! ذ عامل الأوّل فيلزم عمل ما قبل لا المبني معها اسمها فيما بعدها وهي لها الصدر لا لا مطلقاً وتخطي العامل مانع للصدارة. وردّه المعرب بأنّ الجملة المنفية معمولة لمقول مضمر وقع حالاً من الملائكة التي هي معمول يرون العامل في جملة يوم بالإضافة فلا وما في حيزها من تتمة الطرف لكونها معمولة لما في حيزه ومثله لا يعد محذوراً فتأمّل مع أنّ كون لا لها الصدر مطلقا أو إذا بنى معها اسمها ليس بمسلم عند النحاة لأنها لكثرة دورها خرجت عن الصدارة كما صرحوا به وأما عدم لزوم المحذور إذا قدّر يعدمون لأنه معنى النفي فمكابرة في المحسوس. قوله: (وللمجرمين تبيين) كسقيا له فهي متعلقة بمحذوف لا ببشرى حتى تكون معربة وعدم تنوينه لألف التأنيث فهو مقدر كما ذكره المصنف وليس بشرى معمولاً لفعل مقدر حينئذ لأنه لا يصح التبيين إلا بتكلف. وقوله: أو ظرف الخ معطوف على قوله تكرير وقوله فإنها أي لا المبني معها اسمها لأنها لو عمل اسمها طال وأشبه المضاف فينتصب وسكت عن تعلق الظرف المتقدم ببشرى وأشار إلى منعه لأنّ معمول المصدر الواقع بعدلا لا يجوز تقدمه مطلقاً وجوّزه بعضهم في الظرف لتوسعهم فيه لكنه لا حاجة إلى ارتكابه هنا من غير ضرورة.


الصفحة التالية
Icon