بفعل لازم الإضمار كما في بعض كتب النحو لكنه اعترض عليه في الدر المصون بما أنشده الزمخشري:
قعالت وفيها حيدة وذعر عوذبربي منكم وحجر...
فإنه وقع مرفوعاً وكذا سمع في غيره أيضاً فمن جوّز فيه النصب على المفعولية أي اجعل البشرى حجرا لنا لم يصب. قوله: (ووصفه الخ) يعني أنه اشتق له من لفظه صفة مؤكدة وهي تكهعون بفاعل كشعر شاعر وموت مائت بوزن مفعول كحجر محجور وغيره كليل أليل وهي للنسب أي ذو حجر ومفعول كفاعل يكون للنسب كما مرّ في الإسراء. وقيل إنه على الإسناد المجازي وما ذكر لا يلائم المعنى وفيه نظر. قوله تعالى: ( ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ﴾ ) قيل صحة البيان فيه باعتبار التنكير كصحة الاستثناء في أن نظن إلا ظناً إلا أن التنكير هناك للتحقير أي إلا ظناً حقيرا لا يعبأ به وهنا للتعظيم وإليه أشار المصنف رحمه الله بقوله: من المكارم كقرى الضيف وإغاثة الملهوف أي المظلوم والإغاثة بالمعجمة والمثلثة أو بالمهملة
والنون ولو قيل إنه للتعميم ودفع ما يتوهم من العهد في الموصول أي كل عمل عملوه غير معتد به لكان وجهاً. قوله: (وعمدنا إلى ما عملوا الخ) هذا التفسير منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما كما في شرح الكشاف فلهذا ابتدأ به أي كما هو دأبه في تقديم المأثور والعمد القصد ولما كان بين كلاميه كما في الكشاف تناف فإنّ ظاهره أنّ القدوم مجاز عن القصد فهو مجاز مرسل وقوله شبهت حالهم الخ يقتضي أنه استعارة تمثيلية فلا تجوّز في شيء من المفردات كما تقرّر في المعاني اعترض عليه بعضهم بأنه خلط. وشراح الكشاف تنبهوا له ونبهوا على أنّ المراد أنه اسنعارة تمثيلية ولا تجوز في شيء من مفرداته باعتبارها وهو لا ينافي أن يكون في بعض مفرداتها مجاز سابق عليها كالقدوم هنا فإنه استعمل للقصد الموصل إلى المقصد والإرادة وهو المراد هنا لأنّ الذي لا بد منه هو قصد السلطان إلى من صدر منه ذلك أمّا القدوم فلا حاجة إليه بل قد يكون وقد لا يكون كما قيل وفيه ما فيه ثم إنّ مجموع قصد مصنوعاتهم ليجعل هباء منثوراً مستعار لإبطال أعمالهم وافنائها لكونها لم تصادف محلها ولم تقع موقعها فما ذكره المصنف بيان لحاصل المعنى المراد منه فلا إشكال فيه على ما قالوا وكلامهم لا يخلو من الخلل والاضطراب فإنّ كلام المصنف والكشاف لا يناسب ما ذكروه لتصريحهما بتشبيه العمل المحبط بالهباء المنثور وقد ذكر الطرفان ولو كان تمثيلاً لم يجز التشبيه والتصرف في شيء من أجزائه وما قيل إنه تشبيه ضمني لازم ذكر لتكثير الفائدة وبيان مناسبة المفردات لا يجدي نفعاً وكذا ما ذكره في المفتاح من جعله استعارة تبعية تصريحية طرفاها والجامع بينهما عقلية فاستعير من قدوم المسافر بعد مدة إلى الأخذ في الجزاء بعد الإمهال وأورد عليه أنه إذا كان قدمنا بمعنى أخذنا في جزاء أعمالهم بعد الإمهال فلا معنى لتعديته بإلى وهو غير وارد لأنّ المجاز قد يعتبر أصله في تعديتة كنطقت الحال بكذا إذ لم يقل على كذا وهو كثير بل الوارد عليه أنه لا يكفي في بيان معنى النظم وما بعده لا يلائمه وما قيل: من أنه إذا أريد بقدمنا قصدنا فلا حاجة إلى التمثيل لصحة المعنى بدونه واقتضاء المقام ممنوع ثم إنّ قدوم السلطان القاهر بنفسه يكون لاشتعال غضبه فاعتباره أنسب بالحال فهو مع قلة مفاده فيه اختلال على اختلال واذ سردنا لك ما في هذا المقام من القيل والقال فاعلم إنّ هنا استعارة تمثيلية في قوله: قدمنا! الخ واللفظ المستعار وقع فيه استعمال قدم بمعنى عمد وقصد لاشتهاره فيه كما أشار إليه في الأساس والقول بأنه لا حاجة إلى التمثيل بعده من قلة التدبر فإنه لا بدّ منه. وأمّا تشبيه عملهم في تفرّقه بالهباء ففي اللفظ المنقول فلا ينافي ما ذكر كما إذا قلت أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى كالمهر في طوله ولاشتهار قدم المدى بإلى في هذا المعنى وعدم مناسبتة للغارة إذ لا يقال قدم الجيس على العدوّ بل يقال أغار ونحوه لم يتفق على حقيقته وبهذا علمت ما في الكشاف وترجيحه غلى ما ذهب إليه السكاكي وما في كلامهم برمّته. قوله: (لفقد ما هو شرط
اعتباره) يعني الإيمان. وقوله: وهو تشبيه الخ قد عرفت معناه فمن قال إنّ الواو فيه بمعنى أو فقد أخطأ. واستعصوا بما خالفوه. وقوله: فقدم إلى أشيائهم جمع شيء كما صحح في نسخ الكشاف وفي نسخة أسبابهم بمهملة وموحدتين والصحيح الأول لأنه استعمال عامي. قوله: (ومنثورا صفتة الخ) يشير إلى أنه تتميم إذ لم يكتف بجعله في تفرّقه كالهباء حتى جعله منثورا كقول الخنساء:


الصفحة التالية
Icon