قوله: (فذهبا إليهم الخ) يشير إلى أنّ فيه إيجاز حذف وأن الفاء في قوله فدمرناهم فصيحة لأنّ أمره مستلزم لامتثالهما وتدميرهم للتكذيب فهو في قوّة المذكور ولذا اختصر وضمن قوله: اختصر معنى الاقتصار فعداه بعلى أو حمله عليه وحاشيتا القصة طرفا قصتهما في الدعوة وهي إلزام الحجة بالبعثة التي في قوله اذهبا فإنّ المقصود ادعواه وألزماه الخ وقال: استحقاق التدمير لأنه هو المتعقب على التكذيب ولذا قال والتعقيب باعتبار الحكم لأنّ حكمه الذي يعقب تكذيبهم لاسنحقاقهم فهذا إمّا توجيه آخر للتعقيب أو هما واحد لتلازمهما وتقاربهما وقد علم الجواب عن أنه وقع بعد أزمنة متطاولة فلا حاجة إلى جعل الفاء سببية أو لمجرد الترتيب أو باعتبار أنه نهاية التكذيب. وقوله: فقلنا معطوف على جعلنا المعطوف على آتينا بالواو التي لا تقتضي ترتيباً فيجوز تقدّمه مع ما يعقبه على إيتاء الكتاب. فلا يرد أن إيتاء موسى الكتاب وهو التوراة بعد هلاك فرعون وقومه فلا يصح الترتيب إلا أن يراد بالكتاب الحكم والنبوّة ولا يخفى بعده. قوله: (وقوم نوح) بالنصب بمقدر أي واذكر قوم نوح أو هو منصوب بمضمر يفسره أغرقناهم ويرجحه أنّ قبله جملة فعلية. وفي الدر المصون أنه إذا كان لما ظرف زمان وأمّا إذا كان حرف وجوب لوجوب فلا يتاتى هذا لأنّ جوابها لا يفسر وجوّز فيه تبعا للقرطبي وأبي حيان عطفه على مفعول دمرناهم وردّ بأن تدمير قوم نوح ليس مترتبا على تكذيب فرعون وقومه فلا يصح
عطفه عليه وقد تكلف في دفعه بأنّ المقصود من العطف التسوية والطير كأنه قيل دمرناهم كقوم نوح فتكون الضمائر لهم والرسل نوح وموسى وهرون وقد قيل إنه ليس من ضرورة ترتب تدميرهم على ما قبله ترتب تدمير هؤلاء عليه، لا سيما وقد بين سببه بقوله: لما كذبوا الرسل الخ وماكه إلى اعتبار العطف قبل الترتب فيكون المرتب مجموع المتعاطفين ومثله يكفي في ترتب بعضه وقد ذكر صاحب الكشف في صورة الصف ما يقاربه. قوله: (كذبوا نوحاً ومن قبله الخ) جواب عما يقال من أنّ الظاهر أن يقال: كذبوه وإذا كان المراد به هو ومن فبله فتعريفه عهدي أو هو للاستغراق إذ لم يوجد وقت تكذيبهم غيرهم وعلى الثاني فهي للاستغراق لكن على طريق المشابهة والادعاء وعلى الثالث فهي للجنس أو الاستغراق الحقيقي وتكذيب الرسل فيه عبارة عن إنكارهم وإرادة نوح عليه الصلاة والسلام بالرسل تعظيماً بعيد والبراهمة قوم قالوا: لا بعثة لا حدوا دعوا استحالتها عقلا وهم نسبة إلى رجل يسمى برهام، وهو صاحب مذهبهم كما في الملل والنحل وأعتدنا بمعنى جعلناه معداً لهم في البرزخ أو في الآخرة وعلى التخصيص المراد بالظالمين القوم الصذكورون فكان الظاهر لهم. قوله: (عطف على هم في جعلناهم) المعطوف على الجملة المتقدّمة المقيدة بالظرف وهو لما لا على المظروف وحده وأورد عليه أنه إن أراد بتلك الجملة أغرقناهم فلا تقيد له بالظرف بل الظرف كما قيل: قيد للمحذوف المفسر به وان أراد بها ذلك المحذوف فمع أنه لا حاجة إلى العطف عليه يخدشه إنّ الوجه حيئذ القطع للاحتياط كما قطع أراها في قوله:
وتظن سلمى أنني أبغي بها بدلاً أراها في الضلال تهيم...
وأجيب باختياو الشق الأوّل وحمل كلامه على التنزل والتسليم مبالغة في دفع ما يرى
بادى الرأي من أنّ قوله: وجعلناهم عطف على المقيد بالظرف وإذا عطف عاداً وثمود على هم لزم تقييد جعلهم آية أيضاً بالظرف المذكور ولا صحة له معنى ولا يخفى ضعفه وأنه لا يتعين نصب قوم نوح بمقدر كما مرّ ولو سلم فالظاهر عطفه على المذكور وانّ الظرف متعلق به وما ذكره من القطع استحساني قد يجوز خلافه اعتماداً على القرينة العقلية ولم يتعرض المصنف رحمه الله لاحتمال كونه معطوفاً على قوم نوح قيل لظهور. ولا يخفى ما فيه، وقيل لأنه منصوب بأغرقنا مقدراً فلا مجال للعطف عليه لأنّ عاداً وثموداً يغرقوا ولا يخفى أنّ المصنف رحمه الله لم يذكر له إعرابا وأنه يحتمل وجوهاً أخر كما مر. نعم عدم ذكره قد يقال إنه قرينة على إرادته إذ لا مانع له سواه فتأمّل. قوله: (لأن المعنى ووعدنا الظالمين) إشارة إلى أنه عطف
على محله لأنه في محل نصب وإنما ذكره تحقيقاً لمحله وليس وجهاً آخر كما قيل والوعد في كلامه بمعنى الوعيد وأعتدنا بمعنى هيأنا قريب منه فلا


الصفحة التالية
Icon