أنها تدلّ على التمني حقيقة أو مجازا وحينئذ لا يكون لها جواب ملفوظ، ولا مقدر وقد خالف في ذلك ابن مالك وأبو حيان وقالا لا بد لها من الجواب استدلالاً بقول مهلهل في حرب البسوس:
فلو نبش المقابر عن كليب فيخبر بالذنائب أقي زير
بيوم الشعثمين لقرّ عينا وكيف لقاءم ن تحت القبور
فإنّ لو فيه للتمني بدليل نصب فيخبر وله جواب وهو قوله لقرّ وردّ بأنها شرطية ونصبه
عطفاً له كلى المصدر المتصيد من نبش، وتقديره لو حصل نبش فإخبار وهو تكلف، ولو قيل إنها لتقدير التمني معها كثيراً أعطيت حكمه فاستغنى عن تقدير الجواب فيها إذا لم يذكر كما في الوصلية، ونصمب جوابها كان أسهل مما ذكر. قوله: (والمضي فيها) أي في لو لأنها حرف امتناع لامتناع فيما مضى وفي إذ وضعا لأنّ إخباره تعالى عما تحقق في علمه الأزلي لتحققه بمنزلة الماضي فيستعمل فيه ما يدل عليه مجازا كلو واذ قيل ولا يبعد حمل ترى أيضا على المضيّ الفرضي أي لو رأيت إذ وقفوا على النار في الدنيا، وهو كلام حسن سقط به اعتراض! ابن هشام رحمه الله بانه لا معنى له إذا لو أوّل ترى برأيت وهو مستقبل لزم كون رأيت بمعنى ترى وفي بعض شروج الكشاف فان قلت هذا في قوله ناكسو صحيح لأنه نزل فيه النكس المستقبل منزلة الواقع فيما مضى فأدخل فيه إذ أما في ترى فلا لأنه في حيز لو الامتناعية المقتضية عدم وقوع الرؤية فكيف ينزل منزلة الواقع قلت المراد من المترقب النكس لا الرؤية لكن لما جعل النكس، واقعا فيما مضى صارت الرؤية المتعلقة به بمنزلة الماضي بتبعيته مع امتناعها ورده معلوم مما قرّرناه أيضا فتأمّل. قوله: (ولا يقدر الخ التنزيله منزلة اللازم، وما دلّ عليه صلة إذ أي ما أضيفت إليه لأنه بمنزلة الصلة المتممة لها للزومها الإضافة وهو المجرمون
أو وقوفهم على النار، وقوله أو لكل أحد أي ممن يصح منه الرؤية لأنّ الضمير قد يراد به غير معين كما تقرّر في المعاني. قوله تعالى: ( ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا﴾ ) قيل إنه جواب لقولهم فاوجعنا بأنهم لو أرجعوا لعادوا لما نهوا عنه لأنا لم نقدر هدايتهم، وقوله ما يهتدي به الخ لو فسر بنفس الإيمان والعمل الصالح صح لكن هذا أتمّ وأولى وأنسب بمعنى الهداية، وقوله بالتوفيق متعلق بقوله آتينا. قوله: (ثبت) تفسير لحق لأنه بمعنى ثبت وتحقق، وقوله قضاتي تفسير للقول لأنه إذا أضيف إلى الله يراد به حكمه وقضاؤه كما ذكره الراغب في قوله: ﴿لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ﴾ [سورة بس، الآية: ٧] ومثله: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ﴾ [سورة الأنعام، الآية: ١٥ ا] وقوله: ﴿سبق وعيدي﴾ تفسير آخر له فالقول على ظاهره، وقوله لأملأنّ الخ هو المقول على هذا ولذا قال وهو الخ. قوله تعالى: ( ﴿مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ﴾ ) قدم الجنة لأنّ المقام مقام تحقير ولأنّ الجهنميين منهم أكثر فيما قيل ولا يلزم من قوله أجمعين دخول جميع الإنس، والجن فيها وأمّا قوله تعالى: ﴿وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾ [سورة مريم، الآية: ٧١، فالورود غير الدخول كما مرّ تحقيقه في هود لأنها تفيد عموم الأنواع لا الإفراد فالمعنى لأملأنها من ذينك النوعين جميعاً كملأت الكيس من الدراهم والدنانير جميعا، كما ذكره بعض المحققين وردّ بأنه لو قصد ما ذكر كان المناسب التثنية دون الجمع بأن يقال كأيهما فالظاهر أنها لعموم الإفراد والتعريف فيها للعهد، والمراد عصاتهما ويؤيده قوله تعالى في آية أخرى خطابا لإبليس لعنه الله: ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [سورة ص، الآية: ٨٥] فتدبر. قوله: (وذلك تصريح الخ) ذلك إشارة إلى النص، وقوله لأملأنّ الخ وقد وقع في نسخة هذا النص صريح وهو ردّ على الزمخشريّ حيث أيد مذهبه من أنه تعالى لا يشاء القبيح كالضلال بل الهداية، وحمل المشيئة المذكورة على القسرية وقال إن تعقيب فذوقوا الخ بنسبة النسيان إليهم وجعله سبباً للإذاقة دال على أنّ المشيئة المطلقة مقيدة هنا بقيد الإلجاء والقسر، وأنّ العلم الأزليّ مانع لاختيارهم قال الطيبي رحمه الله وهو عدول عن جادّة الصواب حيث أوقع حق القول المعبر به عن العلم الأزليّ المستتبع للكائنات سبباً عن استحبابهم العمي وجعل استحبابه مسببا عن اختيارهم المعدوم، والحق قول الإمام إنّ لو شئنا لآتينا الخ جواب لقولهم فارجعنا أي هذا الذي جرى علينا بسبب ترك العمل أمّا الإيمان فنحن موقنون به فأرجعنا لتتلافى العمل فأجيبوا بأنا لو أردنا الإيمان فنحن موقنون به فأرجعنا لتتلافى العمل فأجيبوا بأنا لو أردنا الإيمان هديناكم فلما لم نهدكم تبين أنا لم نرد إيمانكم فلا نردّكم فذوقوا العذاب