أصله في الأقوال والفول متعد والمعنى حقق ظنه
كما في الحديث: " صدق وعده ونصر عبده " قال تعالى: ﴿رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾ [سورة الأحزاب، الآية: ٢٣] قال الراغب: الصدق والكذب أصلهما في القول ماضياً كان أو مستقبلاً وعدا كان أو غيره ولا يكونان بالقصد الأوّل إلا في الخير، اهـ فضمير لأنه للصدق وقيل إنه للظن وهو من القول إما مجاز الشدة الاتصال بينهما أو حقيقة على أنّ المراد من الظن ما هو لفظي، أو على أن يراد بالقول القول النفسي وهو يوصف بالصدق فتأمل. قوله: (بمعنى حقق ظنه) أي صدّق بمعنى حقق مجازاً لأنه ظن شيئا فوقع فحققه وهذا صريح فيما مرّ، وقوله بمعنى وجده ظنه صادقاً والعرب تقول صدقك ظنك، والمعنى أنّ إبليس كان يسوّل له ظنه شيئا فيهم فلما وقع جعل كأنه صدقه وعلى متعلق بصدق لا بالظن كما قاله ابن جنى وقوله خيله إغواءهم برفع إغواؤهم على الفاعلية أو نصبه على الحذف، والإيصال وفاعله ضمير الظن أي خيل له إغواءهم، وقوله على الإبدال أي إبدال الظن من إبليس بدل اشتمال، وقوله وذلك أي ظنه فضمير عليهم لسبأ أو لبني آدم مطلقا وقوله حين رأى أباهم النبي هو آدم ﷺ وهذا بيان للوجه الثاني ووصفه بالنبوّة لأنه إذا ضعف عزمه مع نبوّته فما بالك بأولاده ولم يدر ما في أولاده من أولي العزم وما ركب معطوف على أباهم. قوله: (أو سمع من الملانكة قولهم أتجعل فيها الخ) فكان ما سمعه سبباً لظنه وعزمه على إغوائهم وإضلالهم وهذا جار على الوجهين في ضمير عليهم ويجوز أن يكون على الوجه الثاني. قوله: (إلا فريقاً هم المؤمنون) فمن بيانية ومتبعو. على هذا هم الكفار، وهذا ظاهر على إرجاع ضمير عليهم لبني آدم وعلى أن يراد سبأ يلزم إيمان بعض منهم وعلى الثاني فمن تبعيضية والمراد مطلق الاتباع الذي هو أعمّ من الكفر. قوله: (تسلط واستيلاء (فالسلطان مصدر بمعنى التسلط، وفسره بالوسوسة ليوافق ما في غير هذه الآية من نفي سلطانه لأنه بمعنى التسلط بالقهر التام والاستثناء مفرغ من أعنم العلل أي ما كان تسليطه لأمر من الأمور إلا للعلم وقد جوّز فيه الانقطاع، وهو بعيد أي ما كان له
تسلط عليهم لكنا مكناه من الاتغواء لنعلم الخ. قوله: " لا ليتعلق علمنا الخ) يعني أنّ العلم المستقبل المعلل به هنا ليس هو العلم الأزلي القائم بالذات المقدس بل تعلقه بالمعلوم في عالم الشهادة الذي يترتب عليه الجزاء بالثواب والعقاب فالمعنى ما سلطناه عليهم إلا ليبرز من كون الغيب ما علمناه فتظهر الحكمة فيه، ويتحقق ما أردناه من الجزاء أو لازمه وهو ظهور المعلوم وقد جوّز فيه أن يكون المعنى لعلمنا الأزلي بأنهم من أهل الشك كقعدت عن الحرب جبناً فنعلم بمعنى الماضي، وهو بعيد ويجوز أن يكون المعنى لنجزي على الإيمان وضده. قوله: (أو ليتميز المؤمن من الشاك (فالمراد بنعلم نجعل المؤمن متميزاً من غيره في الخارج فيتميز عند الناس على أنه مضمن معنى نميز لا لأنه مجاز بعلاقة السببية لأن العلم صفة توجب تمييزاً لأنّ التمييز المذكور للعالم، وذلك في علم البشر فسقط ما قيل إن أراد ليتميز لنا فهو مآل المعنى الأوّل وإن أراد لغيرنا فضمير المتكلم يأباه فالأولى جعله مجازاً بمعنى ليظهر علمنا. قوله: (أو ليؤمن من قدّر إيمانه الخ) فالمراد من وقوع العلم في المستقبل وقوع المعلوم لأنه لازمه كما مرّ وقوله والمراد من حصول العلم حصول متعلقه هو على الوجه الأخير فليس المعنى ليعلم إيمان من يؤمن وشك من يشك كما توهم ووجه المبالغة جعل المعلوم عين العلم. قوله: (وفي نظم الصلتين (أي في تغايرهما حيث جعلت صلة الموصول الأوّل فعلية والثاني اسمية، ومفابلة الإيمان بالشك وتغيير الصلات وكان الظاهر أن يقال من يؤمن بالآخرة ممن لا يؤمن بها لنكتة، وهي أنه قوبل الإيمان بالشك ليؤذن بأنّ أدنى مراتب الكفر مهلكة والجزم بعدمها ليس بلازم وأورد المضارع في الأولى إشارة إلى أنّ المعتبر في الإيمان الخاتمة ولأنه يحصل بنظر تدريجي متجدد وأتى بالثانية اسمية إشارة إلى أن المضر الدوام، والثبات عليه إلى الموت ونكر شكا لتقليل وأتى بفي إشارة إلى أنّ قليله كأنه محيط به وعذاه بمن دون في وقدمه لأنه إنما يضرّه الشك الناشئ منها، وأنه يكفي شك ما فيما يتعلق بها. قوله: (والزنتان متآخيتان) أي فعيل ومفاعل بمعنى يردان بمعنى واحد كثيراً كالجليس بمعنى المجالس، والرضيع بمعنى المراضمع وليس المحافظ بمعنى المواظب المداوم بل بمعنى الوكيل القائم على أحواله وأموره، وقوله للمشركين إشارة إلى أنّ الأمر والخطاب لنبينا صلى الله


الصفحة التالية
Icon