على البدلية من القرآن وكونه وصفا بالمصدر على خلاف الظاهر ولذا لم يذكره. قوله: (أو بمعنى لمن المرسلين) أي أرسلت لتنذر الخ لأنّ كونه بعض المرسلين يدل على أنه أرسل، ولم يجعله متعلقاً بالمرسلين وان جاز صناعة لأنّ المرسلين لم يرسلوا الإنذار هؤلاء بل لإنذار أممهم فلو علق به احتاج إلى تكلف. قوله: (غير منذر) بصيغة المفعول المنوّن وآباؤهم نائب فاعل فما نافية والجملة صفة قوما مسندة تلك الجملة إلى الرسول، والمفعول الثاني محذوف أي عذابا لقوله: ﴿إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا﴾ [سورة النبأ، الآية: ٤٠] فما يحتمل أربعة أوجه الثانية والموصولية والموصوفة والمصدرية
والإنذار التخويف أو الإعلام والمراد به الأوّل، ويجوز إرادة الثاني أيضاً ولما كان بين هذا التوجيه والتوجيه الآخر الدالّ على إنذار آبائهم وبين قوله، وان من أمّة إلا خلا فيها نذير منافاة بحسب الظاهر وجهه بأنّ المراد آباؤهم الأقربون دون الأبعدين فإنّ إسماعيل عليه الصلاة والسلام أنذرهم وبلغهم شريعة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وقد كان منهم من تمسك بشرعه وان اندرس على تطاول المدد، وأما عيسى ﷺ فلم يرسل إليهم على المشهور فلا يقال إن هؤلاء لم ينذروا مطلقاً بنا على أحد الأقوال في أهل الفترة وفي التعليل كلام مرّ. قوله: (فيكون صفة مبينة لشدّة حاجتهم إلى إرساله (فإنه بين أظهرهم وهم قوم لم يبلغهم ولا آباءهم الاًدنون الدعوة بخلافه على الوجه الآني فإنه ليس صفة ولا دلالة فيه على ما ذكر وهذا لا ينافي قوله وان من أمّة إلا خلا فيها نذير كما مر لأنّ أمة العرب خلا فيها نذير فالأمة أهل العصر جميعهم، وأما عيسى عليه الصلاة والسلام ورسل أهل الكتاب فكانت بعثتهم مخصوصة ببني إسرائيل إذ عموم الرسالة مخصوص بنبينا صلى الله عليه وسلم. قوله: (أو الذي الخ) فما موصولة أو موصوفة، وقوله الأبعدون إشارة إلى التوفيق بين التوجيهين، وقوله أو إنذار الخ فما مصدرية وهو مفعول مطلق والمنذر به العذاب. قوله: (متعلق بالنفي) أي تعلقاً معنوياً لتفرعه عليه وتسببه عنه فالفاء داخلة على المسبب واذا لم تكن ما نافية فهي داخلة على السبب فهي تعليلية، وهو متعلق بقوله لمن المرسلين ويجوز تعلقه به على الأوّل أيضاً ويجوز تعلقه بقوله لتنذر على الوجوه وجعل الفاء تعليلية، والضمير لهم أو لآبائهم وحق بمعنى ثبت ووجب، وقوله لأملأن الخ مجمل والمراد ممن مات على الكفر منهم فإنهم محكوم عليهم بدخول جهنم. قوله: (لأنهم ممن علم الله أنهم لا يؤمنون) قيل عليه إنه على مذهب الأشاعرة من جعل العلم علة ويلزمه الجبر وأما على مذهبنا فذلك لاختيارهم الكفر وإصرارهم عليه، وقد منعوا كون العلم الأزليّ علة وجعلوا علمه تابعا للمعلوم مسببا عنه، ولذا قال في الكشاف يعني تعلق بهما هذا القول وثبت عليهم ووجب لأنهم ممن علم الله أنهم يموتون على الكفر فجعل تعلق هذا القول مسبباً عن موتهم على الكفر، وعكسه المصنف فقال لأنهم ممن علم الخ أي لاختيارهم الكفر وكسبهم والإصرأر عليه فليس العلم علة مستقلة عندهم حتى يلزم الجبر بل لاختيارهم وكسبهم مدخل فيه على ما قرّر في أفعال العباد كما فصل في علم الكلام. قوله:
(تقرير لتصميمهم على الكفر الخ) أي مجموعه استعارة تمثيلية فشبههم في عدم التفاتهم إلى الحق وعدم وصولهم إليه بمغلول بين سدين لا يلتفت، ولا ينظر لما خلفه وما قدامه و! ي التيسير جمع الأيدي إلى الأذقان بالأغلال عبارة عن منع التوفيق حين استكبروا عن الحق لأف المتكبر يوصف برفع العنق والمتواضع بضده كما في قوله: ﴿فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ﴾ [سورة الشعراء، الآية: ٤] وفي الانتصاف تصميمهم على الكفر مشبه بالوضع في الأغلال واستكبارهم بالأقماح وهي إلى الأذقان تتمة للزوم الأقماح وعدم الاعتبار بالأمم الخالية والتفكر في العواقب الآتية بالسدين من خلف، وقدام فيكون فيه تشبيه متعدد والتمثيل أحسن منه، وإنما اختير هذا لأنّ ما قبله وما بعده في ذكر أحوالهم في الدنيا ويؤيده ما روي في بعض التفاسير، وذكره المصنف من أنّ سبب نزول هذه الآية أنّ أبا جهل لعنه الله حلف لئن رأى محمداً يصلي ليرضخن رأسه فأتى ومعه حجر فلما رفعه لصقت يده بالحجر وشلت يده فلما عاد رجع ف، كان، أو هو رجل من بني مخزوم وقع منه مثله وجعله أبو حيان لبيان أحوالهم في الآخرة على أنه حقيقة لا تمثيل فيه فورد عليه أنه يكون أجنبيا في البين، وتوجيهه بأنه كالبيان لقوله: ﴿حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ﴾ لا يلائم ما فسره به المصنف لأنه وعيد قبل الوقوع أيضاً، وقوله بتمثيلهم متعلق بتقرير وفي نسخة بتشبيههم، وقوله في أنهم الخ متعلق بتمثيلهم