وأنشدوه هكذا وهو الذي في الانتصاف:
وما بقيت من اللذات إلا محادثة الكرام على الشراب
ولثمك وجينتي قمرمنير يحول بوجهه ماءالشباب
وعارض معناه القائل:
وكان الصديق يزور الصديق لشرب المدام وعزف القيان
فصار الصديق يزور الصديق لبث الهموم وشكوى الزمان
وزاد فزورته إن أتى هروبامن الدين أومن زباني
وهذه نفثة مصدور خشيت أن تحرق السطور. قوله: (والتعبير عنه الخ) كان الظاهر توافق المتعاطفين مضياً واستقبالاً لكن أتى بصيغة الماضي لأنها لدلالتها على التحقق تفيده الإقبال على الحديث لكونه أعظم لذاتهم حقيق بالاعتناء فيؤكد لذلك قيل وهذا أولى من قول الزمخشري إنه جيء به على عادة الله في إخباره لاشتراك العلة بين المتعاطفين فكان ينبغي تناسبهما، وقيل إنه لا يغني شيئاً لقوله قبله في أهل النار وأقبل بعضهم الخ وقد عطف ثمة على مضارع مع عدم تأتي ما ذكر هنا من الاعتناء فيه، وفيما قالاه نظر لأن ما قاله الأوّل لا يخفى على أحد فضلا عن الزمخشريّ فالظاهر أنّ مراده إخبار الله عما صدر عن عباده وحكايته له عنهم كما في تلك الآية أيضاً والمعطوف عليه ليس كذللث لأنه إخبار عما أنعم به عليهم في الآخرة، وهو لا يشتبه ولا يستغرب عند المخاطبين فلذا أكد الثاني دونه ومنه يعلم ترجيح ما في الكشاف مع أن المعتاد في أمثاله مما يدل على الشروع في أمر الماضي، وأمّا الثاني دونه ومنه يعلم ترجيح ما في الكشاف مع أن المعتاد في أمثاله مما يدل على الشروع في أمر الماضي، وأمّا الثاني ففي حيز المنع لأنّ المراد الاعتناء بالنسبة للمعطوف عليه ولا شك أنّ توبيخ بعضهم لبعض أعظم من توبيخ الغير، وعلى ما ذكره المصنف رحمه الله فما بين
المتعاطفين معترض أو من متعلقات الأول لثلا يطول الفصل فتدبر.
قوله: (فإنه الخ) تعليل لمقدر تقديره فيستحق التأكيد فإنه الخ وقوله، وقرئ بتشديد الصاد من التصدق قيل إنه لا يلائم قوله بعده أئذا الخ وليس بشيء لأنه قيل إن رجلين شريكين، وقيل أخوين ورثا ثمانمائة ألف دينار واقتسماها فعمد أحدهما، وكان كافراً بماله فاشترى به بساتين وفرشاً وجواري يتنعم بها وأنفق الآخر ماله في وجوه الخير رجاء رحمة ربه ونعيمه المخلد، وكان مؤمناً ثم أصاب الثاني فاقة فذهب إلى ذلك وطلب منه شيئاً فسأله عما كان له فأخبره بفعله فقال له إنك من المتصدقين لأنا بعد الموت والفناء نبعث ونجازى فنزلت هذه الآية في إعلام حالهما لرسول الله ﷺ فمن نزلت فيه متصدق، ومصدّق أيضاً وما أنكره عليه ذلك الكافر أنه أنفق ليجازي على إنفاقه مما هو أعظم وأبقى فقد ضيع ماله لتصوّر ما لا أصل له، وهو الجزاء الأخروي ولا يكون بدون البعث فلذا قدم إنكاره بل إنكاره رأسا للجزاء بقوله إنا لمدينون لأنه المقصود بالإنكار والنفي فقوله لمدينون أنسب بالثاني، والنظم وكذا سبب النزول تمام المناسبة له إذ محصله أنت المتضق طلبا للجزاء في الآخرة فهل نحن بعدما نفنى نبعث ونجازى فما ذكروه مندفع بلاشبهة، وكيف يتوهم عدم المناسبة وقد قرئ بها. قوله: (ترابا وعظاماً) قيل ذكر تراباً يكفي ويغني عن ذكر العظام، وكونه للتنزل في الإنكار أو للتأكيد لا يرجحه بل يجوّزه فكأنه تصوير لحال ما يشاهده من الأجساد البالية من مصير اللحم، وغيره ترابا عليها عظام نخرة ليذكره ويخطر بباله ما ينافي مدعاه. قوله: (ذلك القائل (أي كان لي قرين الخ يعني المذكور في قوله قال قائل منهم والمقول له جلساؤه، ويقابل هذا القول ما سيأتي وقوله إلى أهل النار عداه بإلى لتضمينه معنى ناظرين، وقوله لأريكم الخ إشارة إلى أن المقصود من قوله هل أنتم مطلعون سواء كان المراد منه الأمر أو العرض إراءتهم سوء حال قرينه، وقوله يقول لهم أي لهؤلاء المتحادثين في الجنة، وهل تحبون إشارة إلى أنه للعرض عليهم إن أرادوا، واطلاع أهل الجنة على أهل النار ومعرفة من فيها مع ما بينهما من التباعد غير بعيد بانه يخلق الله لهم حدة نظر، وقيل إنّ لهم طاقات في الجنة ينظرون منها من علو لأهل النار كما قاله السمرقندي. قوله: (وعن أبي عمرو الخ) المذكور في الإعرإب، وكتب القرا آت أنّ أبا عمرو قرأ بسكون الطاء وفتح النون وكونها رواية شادة عنه كما قيل يحتاج


الصفحة التالية
Icon