لنفي الولد عن أصله مؤكدة لذلك فإن وجهتها لهذه خرجت عن كونها مبينة للإفك، وصارت كأنها مجوّزة للولادة المذكورة مطرقة لصدقهم لو تالوا بها يعني أنّ تكذيبهم في كونه اختار البنات يوهم أنه لا تكذيب لو نسبوا له اختيار البنين فلا يكون جملة إنهم الخ مقررة لنفي الولد المطلق، وهو المقصود ومن لم يقف على مراده قال بعدما قال كيف تصير مجوّزة للولادة بعد قوله من إفكهم وتقديمه إذ يكون إنكار الولادة كالمفروغ عنه ولسان الحال يقول له:
سارت مشرقة وسرت مغربا شتان بين مشرق ومغرب
لكن ما ذكر كله على طرف الثمام، ولذا لم يلتفت له المصنف رحمه الله أمّا قول الزمخشريّ دخيلة بين نسيبين فعلى ما يقوله المصنف رحمه الله هي منكرة لإبدالها منه أو جعلها متعلقة الكذب، وارتباطها من جهة الإعراب أتم ارتباط فهي نسيبة بين نسيبين وأمّا ما تخيله القائل فمبني على أنه أريد بالولد المعنى العام، وليس كذلك بل المراد به البنات لأنه المقصود هنا لتصديره بقوله ألربك البنات لأنه محل القباحة والفضاحة التي نفيت ونفى الولد مطلقا مما لا شبهة فيه عقلاً ونقلاً فإنه لم يلد ولم يولد ولكن السياق هنا لغيره ولكل مقام مقال وماذا بعد الحق إلا الضلال. قوله: (ما لكم الخ) التفات لزيادة التوبيخ والأمر في قوله فأتوا للتعجيز والإضافة للتهكم. قوله: (ذكرهم باسم جنسهم الخ) هذا بناء على أن الجن والملك جنس واحد مخلوقون من عنصر واحد وهو النار كما ذهب إليه بعضهم لكن ما كان من كثيفها الدخاني فهو من الشياطين، وهم شر ذو تمرد وما كان من صافي نورها فهو ملك، وهو خير كله ويكونون سمواً بذلك لاستتارهم عن عيوننا فيكون تخصيص الجن بأحد نوعيه تخصيصاً طارئاً كتخصيص الدابة وعلى الأصل ما هنا إذ المراد الملائكة، ونقل عن ابن عباس أيضاً أنّ نوعا من الملائكة يسمى الجن ومنهم إبليس، وهذا وجه آخر يكون الاستثناء عليه متصلاَ، وقوله وضعاً أي حطا لرتبتهم وتحقيراً لهم في هذا المقام لا في أنفسهم كما إذا سوّى أحد الملك ببعض خواصه فقال اتسوّى بيني وبين عبدي وإذا ذكر. في غير هذا المقام وقره وكناه.
فوله: (وقيل قالوا الخ) فيكون المراد بالنسب المصاهرة، روي عن أبي بكر أنّ المشركين لما قالوا الملائكة بنات الله قال لهم فمن أمهاتهم قالوا سروات الجن وعلى هذا فالجنة على ظاهره، وقوله إخوان هو كقول المانوية في يزدان وأهرمن. قوله: (إن فسرت) أي الجنة بغير الملائكة أمّا إذا فسرت بها كما مرّ فلا لأنهم لا يعذبون وهذا شامل لتفسيرها بالشياطين أو بالأعمّ منهم، ومن الملائكة والمراد بالأنس المعهود دون وهم الكفرة أو الأعتم ووجه علمهم ظاهر لأنهم يعلمون أنّ كل عاص معذب، وان كانوا أنفسهم وأنّ إسناد النسب إليه معصية. قوله: (إن فسر الضمير) في إنهم بما يعمّ المخلصين كتفسيره بالإنس مطلقاً وهذا قيد للاتصال، قيل ولو قال إن فسر الضمير بما يعمّ كالمطيعين كان أولى لأنّ من الجن مخلصين أيضا واذا استثنى من واو يصفون فالظاهر الانقطاع لأنه ضمير الكفرة وعلى الاتصال وعمومه فيه تفكيك الضمائر. قوله: (فإنكم الخ) الفاء في جواب شرط مقدر أي إذا علمتم هذا، واذا كان المخلصون ناجين وعليه متعلق بقانتين مقدم من تأخير كما سيأتي، وقوله ضمير لهم أي للكفرة، وقوله إلا من سبق إشارة إلى أنه استثناء مفرغ من مفعول قانتين المقدر أي أحداً وقد سبق الكلام على قوله في علمه فتذكره والمخاطب الكفرة والغائب الآلهة، والضمير على هذا في عليه لله وهو استعارة من قولهم فتن امرأته أو غلامه عليه إذا أفسده وهو متعلق بفاتنين لتضمنه معنى الاستيلاء وفتن مثل كدر في استعماله بعلى في هدّا كما أفاده صاحب الكشف. قوله: (ويجوز أن يكون وما تعبدون الخ) ذكر فيه جار الله ثلاثة أوجه أن يكون ضمير عليه لله أي ما أنتم ومعبودكم بفاتنين إليه أحدا إلا أصحاب النار أي مفسدون عليه بالإغواء، وهو الذي قدّمه المصنف أو الواو في وما تعبدون بمعنى مع إمّا سادّا مسدّ الخبر نحو إنّ كل رجل وضيعته أي إنكم مع آلهتكم، وأنتم قرناؤهم لا تبرحون تعبدونها أو غير سادّ كقوله:
فإنك والكتاب إلي عليّ كدابغة وقد حلم الأديم
والضمير على الوجهين لما يعبدون ولا يرد عليه ضعف المعية إذا لم يتقدم فعل، أو ما
في معناه لأنه إنما يشترط ذلك


الصفحة التالية
Icon