لكونه أظهر وأباع مما في الأنفس، وقد يقدم الثاني لكونه أقرب وأرسخ كما أشار إليه المصنف وقوله مبدوأ به البدء بالنسبة لبقية النوع البشري، والحوادث الكائنة بعد إيجاده وكونه أعجب بالنسبة لغيره باعتبار ما فيه من العقل وقبول أمانة التكليف وغيره كما قيل:
وتزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
لا لخلق حواء من قصيراه كما قيل، وان كانت الأفلاك أعظم وأعجب من وجه آخر. قوله: (وفيه) أي في خلق الإنسان أو في هذا القول، وقوله قصيراه تصغير قصري وهي صفة للضلع الأخيرة من أسفله وتصغيرها لأنها أصغر الأنواع وكيفية خلقها منه تفصيلا لا يعملها إلا الله لكنه قيل إنها خلقت من بعضه وقيل من كله بأن فصلت منه وأبدلت بضلع آخر مكانها ولذا قيل إنّ هذه الضلع ناقصة في النساء، وعذها الزمخشريّ اثنين بإسقاط الثالث لعدم اختصاصها به، وقوله منهما أنسب بالواقع، ولو أفرده مضمراً آدم كان أنسب بقوله واحدة ولكل وجهة. قوله: (وثم للعطف على محذوف) أو على واحدة لأنه في الأصل اسم مشتق فيجوز عطف الفعل عليه كقوله صافات ويقبضن لكنه غلب عليه الاسمية فصار كالجامد ولذا أخره المصنف عن التقدير، والزمخشري رجحه لأنّ التقدير خلاف الأصل، وقوله وجدت بالتخفيف يقال وحد يحدو حداً كعلم ويجوز تشديده واسم الفاعل قد يكون للمضيّ وإنما يمتنع إرادته إذا عمل
كما صرحوا به فلا وجه لما قيل إنه لا دلالة له على المضيّ فيشكل العطف بثم لو عطف على لفظه دون تأويل وقوله فشفعها أي جعلها شفعا وزوجا وثم على هذين الوجهين على حقيقتها، ولذا قدمه المصنف. قوله: (أو على خلقكم لتفاوت ما بين الآيتين الأن خلق حوّاء من ضلعه أعظم في القدرة الباهرة من خلقه من تراب لأنه سبق مثله فكم ذي روح خلق منه بدون واسطة، وبها ولو لم يحمل على التفاوت الرتبي لم يصح العطف بها لأنّ خلقها مقدم على خلقهم ولذا أوّله بعضهم بالقيل المذكور من أنّ المراد بخلقهم إخراجهم من صلبه في عالم الذر إذ خوطبوا بألست، وفي قوله كالذر إشارة إلى أنّ الذرية منسوبة إلى الذر وغير بضم أوّله كما قيل دهري بالضم نسبة للدهر، وقوله ثم خلق منها أي من قصيراه وفي نسخة منه أي من آدم عليه الصلاة والسلام ومن أرجع ضمير منها للذرية فقدسها، وأعلم أنّ التفاوت الرتبي هنا فيه المعطوف عليه أدنى رتبة وهو جائز كعكسه كما مز التصريح به، واتفاق شراح الكشاف على جواز. فلا حاجة لتأويله بتنزيل البعدية منزلة التعظيم أو ادعاء أخذه من المقام كما توهم. قوله: (وقضى أو قسم لكم) جعلها مقسومة بينكم كما تقسم بقية الأرزاق، وهو إشارة إلى تأويله لأنّ الأنعام لم تنزل عليهم من السماء بأنّ إنزالها مجاز عن القضاء، والقسمة فإنه تعالى إذا قضى وقسم أثبت ذلك في اللوح المحفوظ، ونزلت به الملائكة الموكلة باظهاره في العالم السفلي فلذا وصف ذلك بالنزول وان كان معنى لا يوصف به حقيقة لكن لشيوعه وتعارفه تجوّز به عنه فلا يرد عليه شيء كما أشار إليه ففي قوله انزل استعارة تبعية لتشبيه القضاء بالنزول ووجه الشبه الظهور بعد الخفاء، ويجوز أن يكون مجازاً مرسلا، وقيل إنها نزلت من الجنة حقيقة كما روي في بعض الآثار والله أعلم بصحته. قوله: (أو أحدث لكم الخ (وجه آخر لتأويله يعني أنّ النازل من السماء سبب حياتها وهي الأمطار وفي جعل الأشعة نازلة تسمح فجعل نزول ما به حياتها وبقاؤها بمنزلة نزولها بأن تجوّز في نسبة الإنزال إليها لما بينهما من الملابسة، وأمّا إنه أريد بالأزواج أسباب تعيشها مجازاً أو جعل الإنزال مجازاً عن الإحداث المذكور فتعسف والزوج كل ذكر وأنثى من ذوات الأرواح. قوله: (غلب أولي العقل) في ضمير العقلاء والخطاب ففيه
تغليبان فإن خص الخطاب بهم فهو ظاهر والقرينة عقلية إذ لا يصلح للخطاب غيرهم، وقوله حيوانا الخ إشارة إلى أطوار خلقه وان خلقا بعد خلق لمجرّد التكرير كما يقال مرّة بعد مرّة لا أنه مخصوص بخلقين، وقوله من بعد أن تعلق بالفعل فالمصدر مؤكد والا فلا وقوله في ظلمات ثلاث الخ بدل من قوله في بطون أمّهاتكم أو متعلق بخلق أو خلقا إذ لا يلزم كونه مصدراً مؤكداً والرحم موقع النطفة، والمشيمة كنميمة، مقرّ الولد والصلب فيه مبدأ المني لأنه يخرج من