لكن صاحب الكشف رجحه على ما قبله، وقال إنه! المأثور عن الصحابة رضي الله عنهم، وما ذكر من التأييد غير قوي، ويؤيده إنه غير محتاج إلى التأويل بما مرّ، فإنه لا معنى لمخاصمة النبي ﷺ معهم، فالمعنى أنهم يتخاصمون يوم القيامة، وتقع الخصومة فيما كان بينهم من المظالم في الدنيا، وعلى هذا فلا تغليب فيه، وقوله ما جاء به محمدئلمجبيه الخ، فسماه صدقا مبالغة بجعل الصادق عين الصدق. قوله: (من غير توقف وتفكر في أمر ٠ (إشارة إلى أن إذ هنا فجائية، كما صرّح به الزمخشري، لكنه اشترط فيها في المغني أن تقع بعد بين، أو بينما، ونقله عن سيبويه فلعله أغلبي ولم ينبهوا عليه فتأمّل. قوله:) وذلك يكفيهم مجازاة (قال السمرقندي كأنه يقول أليس جهنم كافيا للكافرين! مثوى كقوله: ﴿حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا﴾ [سورة المجادلة، الآية: ٨] أي هي تكفي عقوبة لكفرهم وتكذيبهم، فالكفلية مفهومة من سياقه
هنا، كما تقول لمن سألك شيئاً ألم انعم عليك، أي أما كفاك سابق إحساني فافهم، وإذا كان
تعريف الكافرين للعهد، فالمراد بهم المشركون الذين كذبوه، وعلى الجنسية هو شامل لأهل
الكتاب، ويدخل فيه كفار قريش دخولاً أوّليا، وعلى الأوّل وضع فيه الظاهر موضع الضمير
للتسجيل عليهم وللفاصل. قوله: (وهو) أي الاستدلال على تكفير أهل البدع بهذه الآية
ض! عيف، لأنه مخصوص بمن كذب الأنبياء شفاها في وقت تبليغهم، لا مطلقا، والمخصص له
قوله إذ جاء. ولو سلم إطلاقه، فهم لكونهم يتأوّلون ليسوا مكذبين، وما نفوه وكذبوه ليس
معلوما صدقه بالضرورة إذ لو علم من الدين ضرورة كان جاحده كافراً، كمنكر الصلاة
ونحوها، والأظهر أنّ المراد تكذيب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، بعد ظهور المعجزات، في
أنّ ما جاؤوا به من عند الله لا مطلق التكذيب. قوله: (للجنس الخ (يعني انّ المراد بالموصول
الجنس، لأنّ تعريف الموصول كتعريف ذي اللام، يكون للعهد والجنس، والجنس شامل لمن
ذكر، والدليل على ذلك جمعه في قوله أولئك الخ نظراً لمعناه ووصفهم بالتقوى الشامل
لجميعهم، ويجوز أن يكون صفة لمفرد لفظا مجموع معنى، والتقدير الفوج أو الفريق الذي
الخ، كما قدروه في قوله كالذي خاضوا، ولم يذكره هنا لما سيأتي. قوله: (وقيل هو (أي
الذي الخ المراد به النبي ﷺ بحسب الظاهر، والمراد في الحقيقة النبي ﷺ ومن تبعه من أقته،
للجمع في قوله أولئك الخ كما ذكر موسى عليه الصلاة والسلام في تلك الآية، وأريد هو وأقته
بقرينة ذكر الكتاب، وجمع لعلهم يهتدون، إلا أنّ ما نحن بصدده في الصفة وذاك في الاسم
وهو فيهما مجاز لكن قال المحقق في شرح الكشاف: ولا بد من تحقيق العلاقة فيه والتفصي
عن الجمع بين الحقيقة والمجاز، ولم يبين ذلك وقد قيل عليه أيضاً إنّ المجيء بالصدق ليس
وصفا لمن تبعه، فكيف يراد به الجمع، والآية المذكورة إنما تكون مثالاً لما ذكر لو رجع
ضمير لعلهم لموسى عليه الصلاة والسلام، وهو يرجع إلى بني إسرائيل الذين هم في حكم
المذكورين، كما صرح به ثمة لأنّ موسى خارج عن مرجع الضمير للقطع بهدايته، ولذا مرضه
المصنف رحمه الله، لما فيه من الكدر، وأيضا إنما عهد مثله في أعلام الآباء كتميم، ونحوه
من القبائل، ولك أن تقول مراد القائل أنّ مجموع الذي جاءنا بالصدق وصدق به المراد به النبيّ
صلى الله عليه وسلم، كما نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما، وفسر الصدق بالتوحيد، ودلالته على ذلك
بطريق الحقيقة، وعلى من تبعه بطريق التبعية، والالتزام فإنه إذا قيل جاء الأمير علم منه مجيء
أتباعه، ولا جمع فيه بين الحقيقة والمجاز، لأن الثاني لم يقصد من حاق اللفظ، وهو محل
النزاع، إمّا المجوّزون له فلا يعتذرون عنه، وحينئذ تدفع الشبه برمتها. قوله: (وذلك يقتضي
إضمار الذي وهو غير جائز) على الأصح عند النحاة من أنه لا يجوز حذف الموصول، وإبقاء صلته وأن جوّزه يعنيهم مطلقا، وشرط بعضهم لجوازه عطفه على موصول آخر، ويضعفه أيضاً الإخبار عنه بالجمع فإنه يأباه كما يأباه المعنى أيضاً، وأمّا إنه يراد بالذي النبيّ ﷺ والصديق معاً على أن الصلة للتوزيع ليندفع المحذور فهو تكلف. قوله: (صار صادقاً بسببه أليس المراد صيرورته بعد إن لم يكن كذلك فإنه الصادق أوّلاً وآخر بل المراد ظهور صدقه وتحققه بحيث لا يمكن تكذيبه:
ومن يقل للمسك أين الشذا كذبه ما شاع من عرفه


الصفحة التالية
Icon