لازم لا تحصل بدونه لأنّ ذكر شيء بعد شيء لا يقتضي توقف الأوّل على الثاني وتقيده به بل ذكر الأمر بالتوبة بعده لأنها ممحصة للذنوب موثوق معها بالنجاة فيقتضي أنه ليس معتبراً فيما قبله، ولا مقدراً معه. قوله: (فإنها) أي الآية السابقة مطلقة لا دلالة لها على حصول
المغفرة بدون التوبة كما لا دلالة على لزوم التوبة إذ لو دلت على الأوّل كانت المغفرة تغني كل أحد عن التوبة، والإخلاص فتنا في الوعيد بتعذيب من لم يتب لكنها غير منافية له لأنّ المغفرة فيه مطلقة فلا يتوهم أنّ قوله: فإنها الخ تعليل لعدم نفي العموم، وهو لا يلائمه فتدبر.
قوله: (القرآن) فالتفضيل على ظاهره لأنّ المراد بما أنزل الكتب السماوية، وهو أحسنها وأفضلها والخطاب للجنس هذا إذا كان القرآن تفسير الأحسن، وهو الأحسن، ويجوز أن يكون تفسيرا لما أنزل فالخطاب لهذه الأمّة وأحسنه ما علم منه من خير الدارين دون القصص، ونحوها فيكون كقوله: ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾ [سورة الزمر، الآية: ١٨، وهو أحد وجوه ذكرها السمرقندي. قوله: (أو المأمور به الخ) فأحسن بمعنى حسن إذ لأحسن في المنهي عنه ويجوز إبقاؤه على أصله بناء على أنّ المباح حسن أيضا وعلى الرابع إن بقي في المنسوخ ندب أو إباحة فعلى أصله والا فهو بمعنى الحسن. قوله: (ولعله ما هو أنجى وأسلم (أي لعل المراد بالأحسن هذا، وهو أعمّ وأكثر فائدة مع بقاء أفعل فيه على بابه، وقوله وأنتم لا تشعرون سيأتي تحقيقه في الزخرف، وقوله فتداركوا أي فتتداركون ما يدفعه. قوله: (كراهة الخ) يعني أنه مفعول له بتقدير مضاف فيه وفيه وجوه أخر تقدمت، وجعله الشارح التفتازاني تعليلا لفعل يدل عليه ما قبله أي أنذركم وآمركم باتباع أحسن القول كراهة الخ وإنما قدره كذلك ليستوفي شرط النصب، وهو الاتحاد في الفاعل وقد سبقه لهذا التقدير الكواشي، ومن غفل عنه قال: لا حاجة إلى الإضمار لصحة نصبه بأنيبوا واتبعوا وأما كون الكراهة ضحذ الإرادة فيلزم أن لا يوجد قول النفس إذ لا يقع ما لا يريده، وليس كذلك فهذا على مذهب المعتزلة دون أهل الحق فليس بشيء لأن الكراهة تقابل الرضا دون الإرادة فلا يستلزم ما ذكره ولو سلم فهو معلق بما ذكر لا كما زعم ولا محذور فيه. قوله:) وتنكير نفس الخ) ذكر الزمخشري في توجيه تنكير. ثلاثة وجوه أن يكون للتبعيض لأنّ القائل بعض من النفوس، أو يكون للتعظيم لعظم كفرها وعنادها وعذابها ولم يرتضه المصنف فلذا تركه أو هو للتكثير ولخفائه أثبته يشاهد من كلام العرب لأنّ الأشهر في النكرة أن تكون للتقليل ولذا قدمه، وهو كاف في الوعيد لأن كل نفسر يحتمل أن تكون تلك وفي البيت شاهد من وجهين استعمال رب للتكثير وهي موضوعه للتقليل وكذا النكرة. قوله:) ورب بقيع الخ) هو من قصيدة للأعشى أولها:
كفى بالذي نوّلته لوتجيبا شفاءلسقم بعدماكان أنيبا
وهي طويلة (ومنها) :
وإني لدن إن عاب قومي فكأنما يراني فيهم طالب الحق أريبا
دعا قومه حولي فجاؤوا لنصره وناديت قوما بالمسناة غيبا
أجاروه مني ثم أعطوه حقه وما كنت فيهم قبل ذلك أرنبا
ورب بقيع لو هتفت بجوّه أتاني كريم ينفض الرأس مغضبا
الخ. وفي شرحه إنّ بقيعا اسم موضع بعينه لا المقبرة تشبيها ببقيع الغرقد، وهو مقبرة المدينة المنوّرة كما توهم وهتف بمعنى صاح والمراد بالجوّ هنا ناحية من الفضاء، وينفض بالفاء والضاد المعجمة، ويجوز أن يكون بالغين المعجمة ومعناه يحرك والمسناة بضم الميم وفتح السين المهملة، وتشديد النون قال شارحلا: أراد بها القبور وهي من سن التراب إذا أهاله حتى يصير كسنائن الرمل يقول: إني دليل لموت قومي وخصمي متقوّ عليئ بقوم إذا دعاهم جاؤوا لنصرته، ولو دعوت من مات من قومي ثمة قام منهم قوم كرام ينفضون تراب القبور عن رؤسهم أو يحرّكون رؤوسهم غضبا من أهانتي، وإجابة لنداء أسرني والشاهد في قوله كريم فإن المراد به التكثير أي قوم كرام والكلام على يا حسرتي مرّ مفصلا. قوله:) بما قصرت (الباء سببية، وما مصدرية أي بسبب تقصيري وهو إشارة إلى أن على للتعليل كما في قوله: على ما هداكم. قوله: (جانبه) أصل الجنب، والجانب بمعنى وهو مشتق


الصفحة التالية
Icon