لتنذر أهل أم القرى بعذاب عظيم لا يدرى ولا يحيط به نطاق البيان ولما كان المراد به عذاب يوم الجمع بقرينة ما بعده قال: وايهام التعميم لشموله لكل عذاب عاجل وآجل، وأوّل مفعولي الثاني وهو أهل مكة بقرينة ما قبله لكنه لعدم ذكره يوهم أنّ المراد كل أحد فقوله للتهويل الخ لف ونشر مرتب فالتهويل في الأوّل والإيهام في الثاني، ويحتمل رجوعه لهما معاً والأول أظهر، وقد حذف من الأول ما أثبت في الثاني فهو من الاحتباك وقيل يوم الجمع ظرف فالمفعولان محذوفان وجعل الضمير على الغيبة للقرآن لعدم حسن الالتفات هنا. قوله: (اعتراض) في آخر الكلام يحتمل الحالية من يوم الجمع أو الاستئناف، وقوله يجمعون أوّلاً الخ بيان لتوجيه الجمع بين الجمع والتفريق، وجملة منهم فريق حال أو استئناف في جواب سؤال تقديره كيف كان حالهم ويؤيد الأول قراءة النصب ولا مانع منه ولا ركاكة فيه، واشتراط الواو غير مسلم فيه ومنهم خبر مقدر مقدّم على الوجه الأحسن في خبر النكرة الموصوفة كما مرّ، ولذا لم يقدره فريق منهم على أنه صفته وفي الجنة خبره مع أن جعاى الصفة المقدرة مسوغة لا يخلو عن ضعف، وكذا جعل المرفوع فاعلا للظرف المقدر وأن كان معتمداً ركيك، وحذف العامل في مثله مما منعه بعض النحاة وفي جواز مثله نظر لا يخفى وقد جوّز فيه أن يكون خبر مبتدأ مقدر أي المجموعون، أو مبتدأ خبره ما بعده وساغ الابتداء بالنكرة فيه لأنها في سياق التفصيل والتقسيم كما في قوله:
فثوب لبست وثوب أجر
وأما كونها في تأويل مفرد فلا يصلح للتوجيه كما مرّ فإنه ما من حال إلا ويتأتى فيها هذا
فلا يصح ما ذكره وقد مرّ الكلام فيه، وتقديم منهم هنا كاللازم هنا لأنّ فيه ما في تقديم المقسم على الأقسام كما لا يخفى على من له دراية بأساليب الكلام. قوله:) وتنذر يوم جمعهم متفرقين الخ) قد وجهت هذه القراءة بوجوه فقيل إنها حال من مقدر تقديره افترقوا أي المجموعون فريقاً وفربقاً الخ لئلا يلزم تنافي الجمع، والتفريق وقيل هو منصوب يتنذر المقدر أو المذكور والمعنى تنذر فريقا من أهل الجنة وفريقاً من أهل السعير لأنّ الإنذار ليس في الجنة والسعير، ولا يخفى تكلفه والمصنف رحمه الله جعله حالاً من ضمير جمعهم المقدر لأن الألف واللام قامت مقامه واليه أشار بقوله على الحال منهم أي من المجموع ولما لزمه كون افتراقهم في حال اجتماعهم، أوله بمشارفين على أنه من مجاز المشارفة أو الحال مقدرة أو اجتماعهم في زمان واحد لا ينافي افتراق أمكنتهم كما تقول صلوا الجمعة في وقت واحد في مساجد متفرقة، واليه أشار بقوله متفرقين في داري الثواب الخ وعلى الوجه السابق اعتبر الاجتماع في الزمان والمكان ولا يخفى أنه إذا أريد بالجمع جمع الأرواح بالأشباج، أو الأعمال بالعمال لا يحتاج إلى توفيق أصلاً. قوله: (مهتدين أو ضالين) اقتصر على الأول في النحل، ووجهه ظاهر والترديد من الله أو من المفسر وقوله بالهداية، وهو خلق الاهتداء أوالدلالة الموصلة والمراد بالحمل على الطاعة توفيقه لها وبعث دواعيه عليها، وقوله في عذابه متعلق ببدعهم. قوله: (ولعل تنيير المقابلة الخ (أي كان الظاهر أن يقول ويدخل من يشاء في عذابه، ونقمته فعدل عنه لما ذكر لأنه أبلغ في تخويفهم لإشعاره بأن كونهم في العذاب أمر مفروغ مته، وإنما الكلام في أنه بعد تحتمه هل لهم من يخلصهم بالدفع أو الرفع فإذا نفى ذلك علم أنهم في عذاب لا خلاص مته، وقوله إذ الكلام في الإنذار فيفهم منه أنهم في العذاب مع إسناده إليهم للإشارة إلى أنه نصير للمؤمنين، وانّ الرحمة بفضله والعذاب بكسبهم، وظلمهم فلذا أسند الرحمة إليه دون العذاب فتأمّل. قوله:) بل اتخذوا (إشارة إلى أن أم هنا منقطعة وهي تقدر ببل والهمزة، وقد تقدر ببل فقط أو الهمزة وكلامه محتمل للوجهين الأوّلين فإن قرىء أتخذوا بفتح الهمزة كان معها همزة استفهام، وان كسرت فلا ومن اقتصر على الأوّل فقد قصر. قوله: (جواب شرط محذوف الخ) هذا بمقتضى دلالة الفاء لكنه جوّز فيه كون الفاء عاطفة وكونها تعليلاَ للإنكار المأخوذ من الاستفهام كقولك أتضرب زيداً فهو أخوك، أي
لا ينبغي لك ضربه فإنه أخوك والمعروف في مثله استعماله بالواو، وإنما يحسن التعليل في صريح الإنكار ولا يناسب معنى المضي أيضاً، وتقدير الشرط كثير فهو أهون من هذه التكلفات فتأمّله. قوله: (كالتقرير لكوئه حقيقا بالولاية (لم يجعله تقريرا وتأكيداً له لما بينهما من التغاير بحسب صريحه، ومنطوقه فإذا