والأمر والنهي، وكذا كانت كتب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جملاً لا يطيلون ولا يكثرون، واطلاق الصانع عليه تعالى بمعنى الخالق ورد في الحديث كقوله: " إن الله صانع كل صانع وصنعته " ذكره السبكيّ فلا حاجة إلى القول بأنه ورد في قوله صنع الله بناء على الاكتفاء بورود المادّة، كما قيل: وقوله أو التزاما كذا في أكثر النسخ، والظاهر أن يقال والتزاما لدلالة الله على الذات صراحة، وعلى الصفات التزاما والرحمن الرحيم بعكسه كما قيل، والأحسن أن يقال إنّ قوله صريحا أو التزاما راجع إلى الصانع فإنه ليس في البسملة دلالة عليه بح! سب الظاهر فإن فسر الرّحمن الرحيم بمعنى المنعم بجميع النعم التي منها الإيجاد كان صريحا فيه والا فالله، وهو المعبود بحق يدلّ على كونه الخالق التزاما. قوله: (وليس الأمر (أي بقوله ائتوني الخ وهذا بناء على أنه دعوة نبوّة لا سلطنة كما مرّ وهو الظاهر لكن ما ذكره لا يخلو من شيء فإنّ كون إلقاء الكتاب على هذا الوجه معجزة غير واضح خصوصاً، وهي لم تقارن التحدي، ولزوم التقليد غير مسلم لأنّ الجاري منهم الدعوة إلى الإيمان أوّلاً فإذا عارضوهم أقيم الدليل فهذا هو الرتبة الأولى ولم يصدر منهم معارضة حتى يحتاج إلى ذكر.
قوله: (في أمري الفتئ) أي في هذا الأمر الحادث والفتيّ بتشديد الياء فعيل بمعنى فاعل ومنه الفتوى، لأنها جواب الحوادث وهو من الفتاء في السن، والمراد بالفتوى هنا الإشارة عليها في هذه الحادثة بما يقتضيه رأيهم وتدبيرهم، وفي نسخة في أمر الفتوى والأولى أصح وأقوى، وقوله ما أبت أمراً أي أقطعه وفي نسخة ما أتيت، وفي أخرى أثبت وقطع الأمر فصل القضية بالحسم فيها ولذا قرأ ابن مسعود رضي الله عنه قاضية، وما كنت المراد به أنها استمرّت على ذلك أو لم يقع منها غيره في الزمن الماضي فكذا في هذا وحتى تشهدون هو غاية للقطع، والممالأة المساعدة ومنه الملأ والعدد جمع عدّة وهي ما يعد من آلات الحرب، والنجدة بكسر النون وبعدها جيم ودال مهملة المراد بها البلاء في الحروب. قوله: (موكول) يشير إلى أنّ الخبر مقدر مؤخرا ليفيد الحصر المقصود لفهمه من السياق واليك متعلق به، وهذا تسليم للأمر إليها بعد تقديم ما يدلّ على القوّة حتى لا يتوهم أنه ناشئ من العجز، وقيل معناه نحن جند شأننا الطاعة والحرب لا الرأي والتدبير وقوله نطيعك ونتبع رأيك وقع في نسخة مجزوما في جواب الأمر والأمر في النظم بمعناه المعروف أو بمعنى الشأن، وجمع الملوك للدلالة على أنه أمر عامّ في جنسهم فهو لا محالة صادر منه وقوله تزييف أي ردّ وهو استعارة من زيوف النقود لردّها، وأحست بمعنى فهمت مجازاً والعرضية بالعدد كما مرّ والخطط جمع خطة بالكسر، وهي الديار وأراضيها وبينه وبين التخطي تجنيس. قوله: (ثم إنّ الحرب سجال لا يدري عأقبتها) هذا مثل مستعار من المساجلة وهي المناوبة في السقي من السجل وهو الدلو يعني كل من زوالها تارة يغلب وتارة يغلب ولا اعتماد على قوّة وشوكة فكم من ضعيف غلب، وقوقي غلب فقوله لا يدري عاقبتها تفسير للمراد منه هنا وأنه كناية عن عدم الوثوق فسقط، ما قيل إنه
غير مناسب للمقام فإنه إنما يقال لمن غلب مرّة، وكونه على طريق الفرض أي لو سلم أنكم غلبتم مرّة فالحرب سجال، والعطف بثم يقتضيه كما قيل ليس بشيء لأنّ المعنى المراد أنه يخرّب الديار إن فررنا ولم نقاتله، وإن قاتلنا. فلا نعرف ما يكون حالنا فالصلح خير وعطفه بثم لتفاوت رتبتة وكون معنى المثل ما ذكر غير مسلم فإنه يقوله من لم يقاتل أصلاَ كما صرّحوا به، وقوله وجعلوا الخ لم يقل وأذلوا أعزة أهلها مع أنه أخصر للمبالغة في التصيير والجعل وقوله وكذلك يفعلون أي الملوك أو سليمان ومن معه، وهذا أولى فإنه يكون تأسيساً لا تأكيداً كما ذكره ولو قيل كلام المصنف يحتمله، والتأكيد لاندراجه تحت الكلية جاز. قوله: (درّة عذراء) أي لم تثقب وهو استعارة حسنة، والجزعة بكسر الجيم وتفتح وسكون الزاي والعين المهملة نوع من الجوهر ملوّن وتعويج نفيها لئلا يمكن إدخال سلك فيها، والمعسكر محل العسكر وقوله تقاصرت إليهم نفوسهم أي أظهرت القصر بمعنى الحقارة والمراد أنه اتضح لهم أنها حقيرة، أو المعنى أنهم نظروا إلى أنفسهم متقاصرين من قولهم قصر في عمله أو من القصور وهو ضدّ تطاول بمعنى تعظم، قال المعرّي:
وعند التناهي يقصر المتطاول
واليهم بمعنى عندهم أو هو لتضمينه معنى راجعة إليهم تاركة للترفع، وقد ذكرها الأزهريّ في تهذيبه وأخطا


الصفحة التالية
Icon