أمر بديع كما تفيده خبرية ما لا أنّ أمراً بديعاً أصحاب الميحنة كما يفيده كونها مبتدأ،
وكذا ما أصحاب المشأمة، وأمّا القسم الأخير فحيث قرن ببيان محاسن أحواله لم يحتج فيه إلى تقديم الأنموذح، وقيل عليه أنه ليس في جعل جملتي الاستفهام، وقوله: والسابقون الخ إخباراً لما قبلها بيان لأوصاف الأقسام وأحوالها تفصيلاً حتى يقال حقها أن تبين بعد بيان أنفس الأقسام بل فيه بيان الأقسام بلا حذف مع إشارة إلى ترقي أحوالهما في الخير والشرّ تعجباً منه وحثا على طلب مثله، وأيضاً مقتضى ما ذكره أن لا يذكر ما أصحاب اليمين ما أصحاب الشمال في التفصيل، ولو قيل إنه ترك في الأخير أعني السابقين لأنه يعلم من أصحاب الميمنة بالطريق الأولى أنهم أحق بالتعجب، وقد يقال لما عقب الأوّلين بما يشعر بأن لها تفاصيل مترقبة أعيد للإعلام بأن الأحوال العجيبة هي هذه فلتسمع، وفيه بحث لا يخفى. قوله: (بإقامة الظاهر) في قوله: ما أصحاب الخ فإنّ مقتضى الظاهر أن يقال ما هم، وقيل: التقدير مقول فيهم ما أصحاب الخ على ما عرف في الجمل الإنشائية إذا وقعت خبرا فلا حاجة إلى جعله من إقامة الظاهر مقام الضمير، وفيه نظر وقوله: التعجيب دون التعجب لاستحالته عليه تعالى فكأنه قيل أيّ شيء حالهم فتعجب منها. قوله: (والذين سبقوا الخ) إشارة إلى متعلقه المقدر والتلعثم بالمثلثة التوقف عن التكلم، والتردّد حيرة، والتواني المكث من الحيرة أيضاً، وقوله: أو سبقوا في حيازة الخ الحيازة الجحع والسبق على هذا أفضل مما. قبله لأنه إلى العلوم اليقينية، ومراتب التقوى الواقعة بعد الإيمان، وأبتداء الإسلام، وذلك سبق إلى الإسلام وقوله: مقدموا أهل الأديان لاقتدائهم بهم فلدا سموا سابقين على هذا، وأبو النجم راجز معروف والمذكور من شعر طويل له منه:
أنا أبوالنجم وشعري شعري لله دري ما أحس صدري
تنام عيني وفؤادي يسري بين العفاريت بأرض قفر
الخ أوقع أبا النجم خبرا لتضمته لوصفه بالكمال واشتهاره به حتى يتبادر إليه الذهن، وهو المراد بقوله في الآية من عرف حالهم، وبلغك وصفهم، وهو تفسير للسابقون الثاني على أنه خبر لا تأكيد في التفاسير السابقة كما في البيت فإنه عني أنا الموصوف بالكمال، وشعري الموصوف بالفصاحة، والبلاغة. قوله: (أو الذين سبقوا إلى الجنة) وعلى هذا هو أعم من التفسيرين السابقين، وأخره لأنّ المقابلة فيه غير ظاهرة إلا أن يخص بما يميزه، ولا قرينة عليه
وهو تأكيد على هذا ولم يرتضه الزمخشريّ قالوا: لما فيه من فوات المقابلة ولأنّ الأقسام عليه غير مستوفاة ولفوات المبالغة السابقة فيه مع أنّ السابقين أحق بالمدح والتعجيب ولفوات ما في الاستئناف بأولئك المقرّبون من الفخامة، وإنما لم يقل، والسابقون ما السابقون كالأوّلين لأنه جعله أمراً مفروغاً عنه مسلماً مستقلاً في المدح والتعجيب كما في الكشف. قوله: (الذين قربت الخ) بيان للمقرّبين وأل فيه موصولة والتعبير بالماضي لتحققه، وقوله: هم كثير كثير معنى ثلة، وهو خبر مبتدأ مقدّر كما أشار إليه بقوله: هم الخ، وقوله: يعني الخ تفسير للأوّلين، ولم يجعله مبتدأ خبره مقذو أي منهم ثلة الخ، ولا خبراً أولاً لأولئك أو ثانياً مع أنه مما جوّزه المعربون لتبادر ما ذكره من عدم عطفه والا فلا تعين له، وهذا على تفسير السابقين بغير الأنبياء كما لا يخفى. قوله: (قوله عليه الصلاة والسلام: " إن أمتي يكثرون ") بفتح الياء مضارع كثره إذا غلبه في الكثرة، وباب المغالبة معروف، وقوله: وتابعو هذه الخ فلا ينافي غلبة مجموع هذه الأمة كثرة على من سواها كقرية فيها عشرة من العلماء، ومائة من العوام، وأخرى فيها خمسة من العلماء، وألف من العوام فخواص الأولى أكثر جمن خواص الثانية، وعوام الثانية، ومجموع أهلها أضعاف أولئك، وقوله، ولا يرده الخ فإنه يدل على كثرة الآخرين فينافي وصفهم بالقلة هنا ظاهراً، وقوله: لأنّ كثرة الفريقين الخ توفيق بينهما بأنهما، وصفا بالكثرت، وهي غير منافية للأكثرية في أحدهما كما ذكره المصنف لكنه لا يخفى ما فيه لا! ما ذكر ثمة أصحاب الميمنة، والكلام هنا في السابقين، وهم إمّا غيرهم أو داخلون فيهم، وعلى كل حال فلا مقتضى لتوافق النسبة أو تغايرها كما


الصفحة التالية
Icon