الماء واليد بمعنى القبضة مجاز عن القدرة، وهذا مما لا شبهة فيه إلا أنه خفي عليهم معنى القبضة هنا فقالوا: ما قالوا مما تركه أتمّ من ذكره والباء في قوله: بيده ظرفية بمعنى في، وهو ظاهر وبما مر علصت أن كون قبضة قدرته استعارة مكنية وتخييلية غير مناسب للمقام إذا دققت النظر فيه فتدبر. فوله: (التصرف في الأمور كلها) قيل إنها تفشر للملك على أنّ تعريفه للاستغراق فيشمل عالم الأجسام وعالم الأرواح والغيب والشهادة فإنه قد يخص بعالم الشهادة، ويقابله الملكوت وليس بمراد هنا، ويجوز بقاء الملك على ظاهره وأنه ترك تفسيره لظهوره والتصرف معنى كونه في يده بطريق المجاز أو الكناية لكنه غير موافق لكلام المصنف، وإن كان في نفسه صحيحاً لأنه حينئذ لا يحتاج إلى جعل اليد مجازاً عن القدرة لأنّ التقدير في قدرته الموجودات كلها ولا يخفى ركاكته وأمّا الاعتراض على الأوّل بأنه لم يدر أن كون جميع التصرفات لله غير كون التصرف في جميع الأمور له، وغير مستلزم له واللازم مما ذكره هو الأوّل دون الثاني، ولو سلم فبملاحظة مقدّمة أجنبية هي أنّ التصرف في الجميع واقع فخزازة ودقة في غير محلها فإنه لا فرق بينهما لمن له طبع سليم. قوله: (على كل ما يشاء قدير) فسره بالمشيء، ولم يرتض ما في الكشاف من قوله على كل ما
لم يوجد مما يدخل تحت القدرة فإنه خص كل شيء بما لم يوجد وقد قيل عليه إنه لا يظهر له وجه لأنّ الشيء إمّا أن يختص بالموجود أو يشمل الموجود والمعدوم، وأمّا تخصيصه بالمعدوم فلا وجه له إلا أن يقال إنه ليغاير ما قبله إذ الملك في العرف يختص بالموجود إلا أنّ اليد مجاز عن القدرة عند. فإن خصت القدرة بالمعدوم كما هو مذهبه اختص الأوّل بالمعدوم، وإن لم يختص لم يختص هذا أيضا وإن ردّ بأنّ تخصيصه بما لم يوجد لاستغناء الموجود عن الفاعل عند الزمخشريّ كاكثر المتكلمين، ومن جعل علة الاحتياج الإمكان من المحققين فلأنّ الاختيار يستدعي سبق العدم فجيء بهذا القرين تكميلا لأنّ الاختصاص بالموجود فيه إيهام نقص، وأورد عليه إنّ المستغني على زعمهم هو الباقي لا الموجود وبينهما فرق مع أنّ المعدوم مستغن عندهم، وكونه ليس مذهبه ممنوع واستدعاء الاختيار سبق العدم ممنوع أيضاً على ما قرره الآمدي مع أنّ الاختصاص بمسبوق العدم غير الاختصاص بالمعدوم، وردّ بأن مراد القائل استغناء الموجود عن الفاعل في الزمان الثاني وهو زمان البقاء لا زمان ابتداء الوجود، وقوله: مع أنّ المعدوم الخ في غاية السقوط لأن استغناءه في عدمه وهو لا ينافي احتياجه بعده مع أن اللازم مما ذكر عدم جواز تعلق القدرة بما يتصف بوجود هو أثر ذلك التعلق قبله لا عدم تعلقه إلا بما يتصف بالوجود أصلاً حتى يجب تعلقها بالمعدوم لجواز كون التعلق، والمتعلق قديمين وما قالوه من أنّ أثر المختار لا يكون إلا حادثاً لاستدعاء الاختيار سبق العدم مدفوع بان تقدم الإيجاد الاختياري على وجود المعلول كتقدّم الإيجاد الإيجابي عليه في كونه ذاتيا لا زمانياً فأثر المختار كالموجب يجوز أن يكون قديما، فإن قلت إنا نعلم بالبديهة أنّ القصد إلى إيجاد الموجود محال فلا بد أن يكون مقارنا لعدم الأثر قلت: تقدم القصد على الإيجاد كتقدّم الإيجاد على الموجود في كونهما بالذات فيجوز مقارنتهما للوجود زماناً لأنّ المحال هو القصد إلى إيجاد موجود بوجود قبل لا بوجود هو أثر لذلك الإيجاد ويمكن دفع السؤال بأنّ مراده. بما لم يوجد الأعمّ من المعدوم لأنّ الموجود الثاني متصف بالوجود في كل آن وأثر الفاعل كما يكون ابتداء الوجود يكون الوجود في الزمان الثاني، وإن كان الموجود فيهما واحداً ففي كل آن متصف بوجود لم يحصل في آن سابق عليه فيصدق عليه في كل آن أنه لم يوجد في آن يليه أي لم يحصل اتصافه به في ذلك الآن لعدم مجيئه بعد فالمقصود أنّ أثر القدرة يجب أن لا يحصل قبل التعلق، فظهر وجه التخصيص بما لم يوجد وأن انهدم به قاعدة القدرة والمشيئة) أقول) ما ذكره من أنّ المراد الزمان الثاني مقبول، وكذا ما بعده وأمّا ما ذكره مما ادعى إمكان الدفع به فلا وجه له وهو تعسف لحمله الكلام على ما لا يحتمله (بقي هاهنا بحث) وهو أنهم ادّعوا مخالفة كلام المصنف لما في الكشاف حتى قالوا ما قالوا، وهو غير صريح فيه لأنّ ما شاءه يجوز أن يريد به ما لم يوجد لأنّ تعلق المشيئة والإرادة في المستقبل يقتضي عدم وقوعه في الماضي، والحال وإنما عدل عن عبارة الزمخشريّ للإشارة