والمراد يسكنون ويطمئنون. قوله: (وما جعلنا عددهم الخ) أي ما جعلنا عدد أصحاب النار المحتمل لأن يكون تسعة عشر فلا يلزم الفساد لحصر الشيء في نفسه، وكون مفعولي الجعل شيئا واحداً وهما متغايران لأنهما في الأصل مبتدأ وخبر فالجعل باعتبار تحقق العامّ في ضمن الخاص وسقط أيضاً ما قيل: إن الجعل من دواخل المبتدأ والخبر فما يترتب عليه يترتب عليه باعتبار نسبة أحد المفعولين للآخر كقولك: ما جعلت الحديد إلا فأساً لأقطع به فكيف يصح جعل عدتهم فتنة للاستيقان، والازدياد لأنّ المراد ما جعلنا عدتهم تسعة عشر إلا أنه عبر عنه بأثره فافهم. قوله: (فعبر بالأثر عن المؤثر)
الأثر هنا عبارة عن الفتنة والمؤثر خصوص التسعة عشر لأنه سبب لافتنانهم بما ذكر وقوله: تنبيها الخ يعني أنّ الأثر هنا لعدم انفكاكه عن مؤثره لتلازمهما كانا كشيء واحد يعبر باسم أحدهما عن الآخر لأنه المتبادر منه، وإن كان إفضاؤه إليه في الجملة كافياً في صحة التجوز فلا يرد عليه أنه ليس عدم الانفكاك شرطا فكيف يحصل التنبيه منه. قوله: (ولعل المراد الجعل بالقول الخ) فإنّ الجعل يكون بمعنى التسمية والإطلاق كقوله: ﴿وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا﴾ [سورة الزخرف، الآية: ١٩] وأنما أخرج الفتنة عن الظاهر ليصح تعلق قوله: ليستقين بجعلنا ومعنى الفتنة في الحقيقة الجعل على هذا العدد لا العدد فنسبته إليه مجازية، وقوله: ليحسن تعليله دون ليجوز إشارة إلى صحته لو أبقى على ظاهره لأنّ سبب ما ذكر القول وسبب القول جعلهم كذلك وتصييرهم فهو السبب البعيد، والشيء كما يسند لسببه البعيد يسند لسببه القريب لكن الثاني أولى، وأما كون اللام ليست على حقيقتها عند أهل السنة فغير صحيح عند أهل الحق. قوله: (ليكتسبوا اليقين) يعني أنّ السين في الأصل للطلب تجوّز بها هنا عن الكسب لأنّ الطالب للشيء كالمكتسب له فيطلق ما يدل على أحدهما على الآخر بطريق الاستعارة فليس فيه إشارة إلى أنّ السين للطلب كما قيل، وقوله: لما بفتح اللام وتشديد الميم أو بكسرها. وتخفيف الميم على أنّ ما مصدرية. قوله: (بالإيمان (متعلق بيزداد يعني الإيمان بما تضمنته الآيات من عدتهم فإنهم يصدقون بكل ما جاء به القرآن فهذا زيادة في إيمانهم التفصيلي، أو إذا رأوا تصديق أهل الكتاب زاد إيمانهم قالوا: وهو في الأول زيادة في الكم وفي هذا زيادة في الكيف. قوله: (وهو تثيد للاستيقان) لأنّ من استيقن وزاد إيمانه لا يرتاب وللتنصيص على ذلك لم يقل، ويرتابوا لاحتمال عوده على المؤمنين فقط وقوله: ونفى الخ يعتي أنّ اليقين قد يكون المقدمات دقيقة، وأمور ربما غفل عنها المتيقن فاعترته شبهة ما فلذا أكد بهذا نفيا لهذا الاحتمال أي هو يقين وايمان جازم لا يعتريه شبهة أصلا ولما فيه من هذه الزيادة جاز عطفه على المؤكد بالواو لمغايرته له في الجملة على ما قرّر في المطول في قوله: ﴿وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ﴾ [سورة إبراهيم، الآية: ٦] فسقط ما قيل من أنه لا وجه للعطف إلا أن يحمل على أنّ المراد أنه كالتأكيد فإنه من باب الطرد والعكس وهو كل كلامين يقرّر منطوق أحدهما مفهوم الآخر وبالعكس، وقوله: حيثما إما للظرفية أو للتعليل. قوله تعالى: ( ﴿وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ )
أعاد اللام فيه للفرق بين العلتين فإنّ الأوّل من الهداية المقصودة بالذات وهذه بالعرض الناشئ من سوء صنيع الضالين، وتعليل أفعاله تعالى بالحكم والمصالح جائز عند المحققين وإن قيل في هذه اللام إنها للعاقبة أيضا، وقوله: فيكون إخباراً الخ وهذا على الوجه الثاني جواب عما يقال: إن هذه السورة مكية والنفاق إنما حدث بالمدينة فكيف يذكر فيها بأنه إخبار عما سيحدث من المغيبات. قوله: (ماذا أراد الله) ذا موصولة وما استفهامية أو ماذا مجموعه اسم استفهام ويبنى عليه الوجهان في إعرابه كما مرّ تفصيله وعلى الثاني كلام المصنف هنا، والمثل له معنيان أيضا ما شبه مضربه بمورده أو الأمر المستغرب، وكل نهما جائز كما ذكره المصنف وقوله: أراد الله إما من الحكاية وهم قالوا: ما أريد ونحوه أو من المحكي، ونسب لله استهزاء وتهكما منهم، وقوله: وقيل الخ مرضه لأنه يقتضي أنهم نسبوه لله حقيقة وهو بعيد جدا كما قيل، وفيه نظر لجواز كونه عدوه مثلا لاستغرابه ونسبته لله تعالى على ما مرّ. قوله: (مثل ذلك المذكور من الإضلال (يعني أن المقصود تشبيه ما مرّ من الإضلال بهذا في طريقته العجيبة وقس عليه الهدى، ويجوز أن تكون الإشارة لما بعده كما في قوله: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ﴾ [سورة البقرة، الآية: ١٤٣] لما مرّ تحقيقه في البقرة فتذكره.


الصفحة التالية
Icon