والبيت قيل إنه للأعشى. قوله: (وإنما اقيم) أي الكذاب مخففاً بمعنى الكذب، وقوله:
كذبوا في تكذيبهم يعني أنه على هذه القراءة يفيد أنهم كدّبوا الآيات وكذبوا في تكذيبهم، ونفيهم لها ووجهه ما مرّ في قوله: ﴿أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا﴾ [سورة نوج، الآية: ٧ ا] لأنه من الإيجاز وفعله الثلاثي إما مقدر أي كذبوا باتاتنا وكذبوا كذابا، أو هو مصدر للفعل المذكور باعتبار تضمنه معنى كذب الثلاثي فإنّ تكذيب الحق الصريح يستلزم أنهم كاذبون فيفيد ما ذكر، وبدل على كذبهم في تكذيبهم على الوجهين ولكنه على التقدير أظهر، ولذا قيل إنه المراد للمصنف وله وجه في الجملة. قوله:) أو المكاذبة الخ (معطوف على الكذب في قوله: بمعنى الكذب فيكون على هذا كالقتال بمعنى المقاتلة، وقوله: فإنهم الخ إشارة إلى أنّ المفاعلة ليست على معنى أن كلا منهم كذب الآخر بل على معنى أنّ كلا اعتقد كذب الآخر فنزل اعتقاده منزلة فعله لا على أنّ الكذب مخالفة الاعتقاد، وهذا يقتضي نصبه بفعل مقدر فيؤيد التقدير في الوجه
السابق. قوله: (فكأن بينهم مكاذبة) أتى بأداة التشبيه، وهي كأنّ إشارة إلى أنه مجاز لأنه لا مكاذبة بينهم لكن نزل الاعتقاد منزلة الفعل كما بيناه وبعضهم ظنه كان الناقصة، وما قيل عليه من أن المكاذبة مقابلة الكذب الحقيقي بالكذب الحقيقي، ولو تجوّز استعمل في مقابلة الكذب الاعتقادي بالكذب الاعتقادي، وأمّا تسمية مقابلة ما هو صدق في اعتقاد كل منهما باعتبار أنه كذب في اعتقاد الآخر مكاذبة فبعيد جداً، انتهى مغالطة وسفسطة لا طائل تحتها، وقد أطال بعض فضلاء العصر في تزييفه لكنا تركناه لطوله من غير فائدة فيه. قوله: (أو كانوا مبالغين في الكذب الخ) يعني أنه مجاز من وجه لأنّ المفاعلة والمغالبة تقتضي الاجتهاد في الفعل فأربد به لازم معناه، أو هو استعارة له باعتبار ما ذكر، وقوله: وعلى المعنيين أي كونه بمعنى الكذب أو المكاذبة وفيه رد على الزمخشري لأنه قصره على الثاني، وقوله: يؤيده أي كونه حالاً وكذابا في هذه بضم الكاف، وتشديد الذال إمّا جمع كاذب كفساق أو صيغة مبالغة كما قالوا: كبار وحسان للمبالغة في الوصف وإليه أشار بقوله: ويجوز أن يكون. قوله: (فيكون صفة للمصدر) أي تكذيبا مفرطا كذبه وأنما جعله صفة للمصدر لا حالاً لأنه مفرد فالتقدير تكذيبا كذاباً فيفيد المبالغة والدلالة على الإفراط في الكذب لأنه كليل أليل وظلام مظلم ومثله يفيد مبالغة قوية كجد جده، وعلى كل حال فإسناده مجازي ليفيد المبالغة كما تقرر في محله فما قيل التكذيب إن كان بمعنى الإيقاع والأحداث فنسبة إفراط الكذب له مجازية، وإن أريد الحاصلى بالمصدر فهو حقيقي لاتصاف الخبر بالصدق، والكذب ليس كما ينبغي ولا يوافق الشرح فيه المشروح وانه لا تأييد فيه على المبالغة كما توهم. قوله: (بالرفع على الابتداء) والنصب على الإضمار على شريطة التفسير وقوله يتشاركان فيكون منصوبا بفعل هو موافق له معنى فأما يؤول أحصينا بكتبنا أو كتابا بإحصاء ويحتمل الاحتباك على الحذف من الطرفين، والضبط أصل معناه الإمساك وشاع في معنى الإحصاء وقوله: لفعله المقدر أي كتبنا كتابا والاعتراض قيل إنه لتأكيد كفرهم وتكذيبهم بالآيات بأنهما محفوظان للمجازاة والأحسن ما في شروح الكشاف م! ن أنه تاكيد للوعيد السابق بأنه كائن البتة لضبط معاصيهم عنده تعالى، وما قيل من أنّ الأوجه عطف المنصوب على اسم أنّ والجملة بعده على خبرها، وكذا في الرفع هو معطوف عليه باعتبار المحل ولا اعتراض، وانه الأنسب لبيان موافقة الجزاء للأعمال تكلف غني عن الردّ. قوله: (مكتوباً في اللوح الخ (وقيل: إنه تمثيل لإحاطة علمه بالأشياء لتفهيمنا وإلا فهو تعالى غنيّ عن
الكتابة والضبط، ولا يخفى أنه ميل لمذهب الحكماء وأنه لا لوح ولا حفظ ولا كتبة والذي عليه أهل السنة خلافه، وليس هذا لاحتياج إنما هو لحكم تقصر عنها العقول. قوله: (مسبب عن كفرهم بالحساب) وتسبب الذوق والأمر به في غاية الظهور، وما قيل من أنه مسبب على قوله لا يذوقون الخ في غاية البعد لفظا مع ما فيه من كثرة الاعتراض، وإنّ تسبب الأمر بالذوق على ذوقهم لا تخفى ركاكته لمن له ذوق سليم. قوله: (ومجيئه على طريقة الالتفات الخ) لتقدير إحضارهم وقت الأمر ليخاطبوا بالتقريع والتوبيخ، وهو أعظم في الإهانة والتحقير ولو قدر القول فيه لم يكن التفاتاً، وقوله: وفي الحديث الخ في ثبوته كلام لابن حجر


الصفحة التالية
Icon