حسابه لا كنعم الدنيا وفيه نظر. قوله: (وقرئ حساباً) أي بالفتح والتشديد على وزان صيغ المبالغة وهو بمعنى المحمسب بكسر السين أي بزنة اسم الفاعل، وهذا بناء على أن فعالاً يكون صفة من الأفعال وفيه كلام لأهل العربية، ونقل الراغب عن بعض أهل اللغة أن فعالاً لا يجيء صفة من الأفعال وجبار من جبر لا من أجبر فليحرّر. قوله:) بدل من ربك الخ (وفي إبداله تعظيم له أيضا وايماء إلى ما في الآثار المقدسة لولاك لما خلقت الأفلاك، ورفعه الحجازيان نافع وابن كثير وأبو عمرو، ولو أعرب في الرفع خبر مبتدأ مقدر على أنه نعت مقطوع لتوافقت القراءتان، وقوله: صفة له أي لربك أو لرب السموات على الأصح عند المحققين من جواز وصف المضاف إلى ذي اللام بالمعرف بها فلا يرد عليه أنه ممنوع عند النحاة كما توهم مع أنه إنما يرد لو أراد أنه صفة رب السموات، ولو أراد صفة ربك كما يؤيده قراءة من جره مع رفع ما قبله فلا فتأمله. قوله: (إلا في قراءة ابن عامر الخ) في النسخ هنا اختلاف واختلال وتحريره ما في النشر قال: اختلفوا في رب السموات والأرض، فقرأه يعقوب وابن عامر والكوفيون بخفض الباء والباقون برفعها واختلفوا في الرحمن فقرأ ابن عامر ويعقوب وعاصم بخفض النون، والباقون برفعها اهـ، وللرحمن هنا وفيما سياتي موقع بليغ جدا. قوله: الا يملكون خطابه الخ (ظاهره أنّ منه بيان مقدم للخطاب، وسيأتي تحقيقه وهو دفع لما يتوهم من منافاة هذه الآية للشفاعة الآتية فإنّ للشفيع مقالاً وخطاباً مع الله بأنّ المنفيّ هنا خطاب الاعتراض لا الشفاعة، والرجاء وما بعده من ذكر الصواب دال عليه، ويجوز أن يكون عاما خص منه ما بعده وهذا غير ما في الكشاف إذ المعنى أنهم لا يتصرّفون في خطاب الأمر والنهي تصرّف الملاك فيزيدون وينقصون كما يريدون، وهو من قوله: لا يملكون، وقد حققه المدقق في الكشف، ثم قال: وأمّا منه في التنزيل فصلته ولم يذكر لظهوره، والمعنى لا يملكون من الله خطابا واحداً أي لا يملكهم الله ذلك كما تقول ملكت منه درهماً إشارة إلى أن مبدأ الملك منه، وهذا أظهر أو لا يملكون أن يخاطبوه بشيء من نقص العذاب وهذا وجه آخر في الآية فيه منه صلة خطاباً كما تقول خاطبت منك على معنى خاطبتك كبعت زيدا وبعت من زيد فمنه بيان مقدم على المصدر لا صلة يملكون، وقد قيل عليه إنّ تعدى الخطاب لم يثبت في اللغة، وكذا البيع لا يتعدّى بلا واسطة إلا إلى المبيع لا إلى المشتري فينبغي أن يجعل منه صلة يملكون أي لا يملكون منه تعالى في ذلك اليوم خطابا باعتراض ونحوه، وهذا عجيب فإنه لم يقل إنه صلة الخطاب حتى يرد عليه ما
ذكر إذ هو في الوجه الأوّل جعل من ابتدائية متعلقة بيملكون، وفي الثاني جعلها بيانية فهو ظرف مستقر لكنه تعسف في قوله: خاطبت منك وأمّ تعدّي البغ بمن فصحيح ذكره صاحب المصباح، وحاصل ما ذكره أنّ النظم يحتمل وجهين أي لا يقدرون على أن يخاطبوه فالخطاب منهم أو لا يصلون لسماع خطاب منه لكنه عقده على عادته، ولولا ظن الإغفال كان ترك مثله أولى من ذكر.. قوله: (لأنهم مملوكون الخ) يعني أنّ ذواتهم وصفاتهم وأملاكهم وكل ما يتعلق بهم جوهراً أو عرضاً مخلوق له تعالى، وهو مالكه فله التصرّف فيه كما يشاء لأنه لا يمنع أحد منا من التصرّف في ملكه مع أنه غير حقيقي فكيف بمالك الملك على الإطلاق فلا يجب عليه شيء من ثواب، وعقاب ولا يسئل عما يفعل وفيه ردّ على المعتزلة، وقوله: تقرير الخ لأنهم إذا لم يتملكوا بغير إذن لم يملكوا الخطاب كما لا يخفى. قوله: (فإن هؤلاء الذين هم أفضل الخلانق الخ) هذا بعينه في الكشاف لكنها كلمة حق أريد بها باطل ثمة فإنّ الخلاف في أفضلية الملائكة بمعنى كثرة الثواب، وما يترتب عليها من كونهم أكرم على الله وأحب إليه لا بمعنى قرب المنزلة من الله ودخول حظائر القدس، ورفع ستارة الملكوت بالاطلاع على ما غاب عنا مع النزاهة وقلة الوسايط، وغيره فإنهم أفضل بالاعتبار الثاني بلا خلاف فيه وهذا كما نشاهده من حال خدام الملك، وخاصة حرمه فإنهم أقرب إليه من وزرائه والخارجين من أقربائه وليسوا عند. بمرتبة واحدة وإن زادوا في التبسط والدلالة عليه، ولذا عطف قوله وأقر بهم الخ على أفضل الخلائق عطفاً تفسيرياً ومته تعلم أنّ الخلاف هنا لفظيّ مع أنّ بعض أهل السنة، وعلماء الشافعية ذهبوا إلى تفضيل الملك مطلقا حتى ادّعى بعضهم أنه مراد المصنف، ومذهبه:
وللناس فيما يعشقون مذاهب
قوله:


الصفحة التالية
Icon