الجهاد ونحوه من الأفعال الصالحة لأن تكون علة للمغفرة صح أن يجعل الفتح علة لها كأنه قيل إنا خلقنا فيك أسباب الفتح من الجهاد، والسعي في إعلاء الدين ليغفر لك الخ، ولا يخفى أن الفعل يسند حقيقة لمن قام به لا لمن أوجده كما مرّ مراراً فيقال تكلم زبد حقيقة لا تكلم الله وإن أوجد كلامه فيه والفتح الظفر بالبلد وهو صفة العبد قائمة به ولو كان فتحنا بمعنى خلقناكم لم يكن استعارة كما صرّج به المصنف بل مجازا مرسلا فليس المراد ما ذكره بل أنّ المغفرة إذا لم تكن بمحض فضله وترتبت على فعل من أفعال العبد فلا بدّ أن يكون عبادة فلذا جعله جهادا مثمرا لهذه الثمرة، وما ذكره هذا القائل بعيد عنه بمراحل، وفي الكشاف لم يجعل الفتح علة للمغفرة ولكن لاجتماع ما عدد من الأمور الأربعة، وهي المغفرة واتمام النعمة وهداية الصراط المستقيم والنصر العزيز كأنه قيل يسرنا لك فتح مكة ونصرناك على عدوّك لنجمع لك بين عز الدارين، وأغراض العاجل والآجل أن قال السعد رحمه الله حاصله أنّ الفتح لم يجعل علة لكل من المتعاطفات بعد اللام أعني المغفرة، واتمام النعمة والهداية والنصر بل لاجتماعها ويكفي في ذلك أن يكون له دخل في حصول البعض كإتمام النعمة والنصر العزيز، وتحقيقه أنّ العطف على المجرور باللام قد يكون للاشتراك في متعلق اللام مثل جئتك لأفوز بلقياك وأحوز عطاياك ويكون بمنزلة تكرير اللام، وعطف جار ومجرور على جار ومجرور وقد يكون للاشتراك في معنى اللام كجئتك لتستقرّ في مقامك وتفيض عليّ من أنعامك أي لاجتماع الأمرين، ويكون من قبيل جاءني غلام زيد وعمرو أي الغلام الذي هو لهما، وفيه أنه إذا كان المقصود بعضه فذكر باقيه لغو من الكلام فالظاهر أن يقال لا يخلو كل منها من أن يكون مقصودا بالذات، وهو ظاهر أو المقصود بعضه، وحينئذ فذكر غيره إمّا لتوقفه عليه أو لشدة ارتباطه به، وترتبه عليه فيذكر للإشعار بأنهما كشيء واحد، والأوّل كقوله تعالى: ﴿فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ﴾ [سورة البقرة، الآية: ٢٨٢] إلى قوله: أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى فليس الضلال علة بل التذكير متوقف عليه كقولهم أعددت الخشب ليميل الحائط فأدعمه كما حققه سيبويه وتبعه العلامة، ومثال الثالث لازمت غريمي لأستوفي حقي وأخليه وليس ما نحن فيه من هذا القبيل، أو المقصود المجموع من حيث هو مؤوّل بما يكون كذلك كما هنا لأنّ جمع عز الدارين محصل مجموع الكلام والى
الثاني أشار في دلائل الإعجاز بقوله: إذا عطف شيء على جواب الشرط فهو على ضربين أحدهما أن يستقل كل بالجزائية نحو إن تأتني أعطك وأكسك، والثاني أن يكون المعطوف بحيث يتوقف على المعطوف عليه كقولك: إذا رجع الأمير استأذنت وخرجت أي إذا رجع استأذنت وإذا استأذنت خرجت اهـ، وقد علم مما مضى أنه غير مخصوص بالشرط، ولا بما ذكر فتأمّله فإنه مهمّ جدّاً
قوله: (جميع ما فرط) بجعل المتقدم والمتأخر للإحاطة كناية عن الكل، وقوله: مما
يصح الخ إشارة إلى أنه ليس بذنب حقيقي بل من قبيل حسنات الأبرأر سيئات المقرّبين لعصمة الأنبياء، وقوله: وضم الملك إلى النبوّة كأنه أراد بالملك فتح البلاد واجراء أحكامه فيها تسمحاً والا ففي الحديث: (١ ن الله خيره ﷺ بين أن يكون ملكاً نبياً كسليمان وعبدا رسولاً فاختار أن يكون عبداً رسولاً ولم يرض الملك حتى لا يسمى خلفاؤه الراشدون ملوكاً فضلاَ عنه صلى الله عليه وسلم) ولذا قيل: إنه لا يقال في نعته إنه زاهد لأنه لم يختر الدنيا أصلا حتى يقال إنه زهد فيها، وهكذا ينبغي أن يعرف مقامه ﷺ وفيه تفاسير أخر في الكشاف، وغيره لم يرتضها المصنف رحمه الله. قوله: (في تبليغ الرسالة الخ) فالهداية على حقيقتها فلا حاجة إلى ما قيل من أنّ المراد زيادة الاهتداء أو الثبات عليه. قوله: (فيه عز ومنعة الخ) العزيز بحسب الظاهر هو المنصور فلما وصف به النصر أشار إلى أنه إمّ للنسبة، وإن كان المعروف فيه فاعل وفعال أو فيه تجوّز في الإسناد إذ هو من وصف المصدر بصيغة المفعولى لا الفاعل لعدم مناسبته للمقام وقلة فائدته إذ الكلام في شأن المخاطب المنصور لا المتكلم الناصر، ومنعة بفتحتين يكون مصدرا وجمع مانع بزنة كتبة، وقيل: هو بتقدير مضاف أي عزيز صاحبه قال الإمام: وذكر الجلالة إشارة إلى أنّ النصر لا يكون إلا من الله وهو من قوله تعالى: ﴿مَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللهِ﴾ [سورة آل عمران، الآية: ١٢٦] قال: لأنه لا يكون إلا بالصبر، وهو


الصفحة التالية
Icon