مساق الكلام لإجلاله صلى الله عليه وسلم، وإذا كان استحقاق هذا الإجلال لاختصاصه به تعالى ومنزلته منه فذكر بين يدي الله عز شأنه أدخل في النهي كما قرره المدقق في الكشف والتجوّز باق بحاله والفرق بينه وبين ما قبله ليس أنه لا يراعي في هذا الاستعارة مما بين الجهتين كما توهم بل إنّ ذكر الله على هذا لبيان قوّة الاختصاص تمهيدا وتوطئة لما بعده فتدبر. قوله: (في التقديم أو مخالفة الحكم) أو فيه للتخيير في التعبير والتفسير، والتقديم لأنه المنهيّ عنه ظاهراً ومخالفة الحكم لأنه المراد من التقديم، وقوله: فلا
تجاوزوا الخ تفسير للمراد منه فإنّ الرفع والفوقية حقيقة في الأجسام لكنه صار حقيقة عرفية فيما ذكر. قوله: (ولا تبلنوا به الجهر الخ الما كانت هذه الجملة كالمكرّرة مع ما قبلها وليس القصد للتأكيد لأنّ العطف يأباه أشار في الكشاف إلى أنّ المراد بالأوّل أنه إذا نطق ونطقتم فعليكم أن لا تبلغوا بأصواتكم حدّاً بلغه صوته بل يكون كلامكم دون كلامه ليمتاز منطقه، والمراد بهذا إنكم إذا كلمتموه وهو صامت فلا ترفعوا أصواتكم كما يفعل في مخاطبة العظماء، وبه حصل التغاير واتضح العطف، والمصنف لما رأى أن تخصيص الأوّل بمكالمته معهم وهذا بصمته خلاف الظاهر وفيه مندوحة عنه لأنّ الأول نهى عن أن يكون جهرهم أقوى من جهره كما هو صريح قوله فوق صوت النبيّ، وهذا نهي عن مساواة جهرهم لجهره فإنه المعتاد ير مخاطبة الأقران والنظراء بعضهم لبعض فلا تكرار فيه، ومجموعه يفيد غض صوتهم وتكلمهم بأخي السرار والهمس كما ورد في الآثار عدل عنه فليس في كلامه ما يدل على تقييدهما بما إذا نطق ونطقوا كما توهم وظاهر كلامه في الكشف أنّ مال ما في الكشاف إلى ما ذكره المصنف وفيه نظر فقوله: ولا تبلغوا به أي بالقول، ولا حاجة إلى حمل النهي الأوّل على وجوب كون صوته أعلى من صوتهم كما هو المعروف في العرف، وقوله: بل اجعلوا الخ بيان للحاصل من مجموع الجملتين. قوله: (محاماة على الترحيب) المحاماة بميمين وحاء مهملة المحافظة مفاعلة من حماه إذا منعه وصانه والترحيب قيل إنه بالحاء المهملة من قولهم أهلا ومرحبآ والترحيب بمعنى التوسيع، وقيل: بالجيم من رجبه إذا عظمه وهذا أقرب معنى إذ الأوّل محتاج إلى تكلف إنّ المراد بالتوسعة بعدما بين مقام النبوّة ومقام الأمّة المقتضي لما ذكر. قوله: (وقيل معناه الخ) فيغاير ما قبله ويتضح عطفه عليه لكنه خلاف الظاهر، ولذا مرضه لأن ذكر الجهر حينئذ لا يظهر له وجه إذ الظاهر أن يقال: لا تجعلوا خطابه كخطاب بعضكم لبعض كما مز في قوله: ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا﴾ [سورة النور، الآية: ٦٣]. قوله: (وتكرير النداء) بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ الخ لأنه مقتضى التوجه واقبال المنادى على المنادي المقتضي لتفريغ باله وسمعه المستدير لزيادة استبصاره، وفي تكريره طلب إقبالهم وتطرية نشاطهم فلا يفتروا ويغفلوا عن التامّل فلذا أفاد المبالغة في الاتعاظ، ودل على أنّ المنادى له أم مستقل غير تابع لغيره فهو مما يهتمّ به. قوله: (كراهة أن تحبط الخ) يعني أنّ قوله أن تحبط الخ في محل نصب مفعول له تعليل لما قبله من النهيين على طريق التنازع، وهر إمّا تعليل للنهي فيقدر فيه مضاف وهو كراهة كما أشار إليه المصنف فالمعنى إني أنهاكم عما
ذكر لكراهة حبوط أعمالكم بارتكابه أو للمنهيّ عنه وهو الرفع والجهر ولام التعليل المقدرة على هذا مستعارة للعاقبة التي يؤدّي إليها الفعل كما في قوله: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ [سورة القصص، الآية: ٨] لأنّ الرفع والجهر ليس لأجل الحبوط وبما ذكر يتحد فاعل المعلل المعلل فيتم كونه مفعولاً له. قوله: (لأنّ في الجهر والرفع الخ) تعليل وتبيين لتأدية ما ذكر للحبوط مع أنّ المحبط في الحقيقة عند أهل السنة الكفر لا غير، والاستخفاف المراد به جعل ما ذكر من الجهر والرفع خفيفا هينا لا إلاستخفاف بالنبيّ ﷺ فإنه بمعنى الإهانة له وهي كفر فلا يصح قوله: وذلك إذا انضم الخ كما لا يخفى، وهو ردّ على الزمخشري حيث استدل به على مذهبه من إحباط الكبائر مطلقاً للأعمال فإنّ هذه كبيرة قد أحبطت ولا فرق بينها وبين غيرها مع أنه قد أول ما هنا بأنه للتغليظ، والتخويف إذ جعلت بمنزلة الكفر المحبط، أو هو للتعريض بالمنافقين القاصدين بالجهر والرفع الاستهانة فإنّ فعلهم محبط بلا شك


الصفحة التالية
Icon