مشبهه وصيغة مبالغة يدل على أنه تعالى ذو العلم الواسع التام المحيط بالأشياء كلها جملة وتفصيلًا، في أطوارها الثلاثة، قبل الوجود، وبعده، وبعد العدم، كما قال موسى - عليه السلام - حينما سئل عن القرون الأولى ﴿قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى﴾ (١). فلا يعترى علمه جل وعلا جهل سابق، ولا نسيان لاحق.
وجاء في الصيغة الثالثة والرابعة زيادة: من همزه ونفخه ونفثه. فهمز الشيطان: الموتة - بضم الميم، وهي الخنق: نوع من الجنون والصرع (٢).
_________
(١) سورة طه، الآية: (٥٢).
(٢) انظر «النكت والعيون» ٤٨: ١، «النهاية» مادة «همز»، «إغاثة اللهفان» ١: ١٥٤ - ١٥٥. وقد أنكر كثير من العقلانيين صرع الجن للإنس، وملابسة الجني للإنسي، ودخوله في بدنه، وقد دل الكتاب والسنة على ذلك. قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَاكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾ آية ((٢٧٥)) البقرة. وقال - ﷺ -: «إن الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم» متفق عليه.
وقد ثبت عن الإمام أحمد -رحمه الله - أنه كان يقرأ على المصر وع، فيتكلم الجني، ويعاهد، ويخرج، فيقوم المصر وع ما به أذى. وقد حصل ذلك أيضًا لغيره من العلماء، كشيخ الإسلام ابن تيمية، ووقائع ذلك وشواهده أكثر من أن تحصر. ولقد وصل الأمر ببعض المسلمين من الكتاب وغيرهم، بل ببعض المنتسبين إلى أهل السنة والجماعة، إلى إنكار وجودهم - شأن بعض أهل الكتاب، والمعتزلة وغيرهم - مع أن الله ذكرهم في كتابه في مواضع كثيرة، وأفرد لهم سورة كاملة تسمى سورة = «الجن» وجاء ذكرهم في السنة في أحاديث كثيرة، منها ما جاء في الاستعاذة وغير ذلك، كحديث أبي سعيد قال رسول الله - ﷺ -: «إن بالمدينة نفرًا من الجن قد أسلموا، فمن رأى شيئًا من هذه العوامر فليؤذنه ثلاثا، فإن بدا له بعد فليقتله، فإنه شيطان» رواه مسلم وغيره.
فالواجب الإيمان بوجودهم، وبكل ما ذكر الله عنهم في كتابه وفي سنة رسوله - ﷺ - مثل كونهم يتناسلون. قال الله تعالى - عن الشيطان ﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي﴾ آية (٥٠) الكهف. ومثل كونهم يرون الإنس. قال تعالى: ﴿إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ﴾ آية (٢٧) الأعراف، وأن لهم رسلًا من الإنس. وقيل منهم قال تعالى ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَاتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي﴾. آية (١٣٠) الأنعام، وأن محمدًا - ﷺ - رسول لهم وللإنس، قال تعالى ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا﴾ الآيات (١ - ٢)، الجن. انظر «مجموع فتاوى ابن تيمية» ٩: ١٩ - ٦٥، ٢٧٦: ٢٤ «زاد المعاد» ٦٦: ٤، «رسالة إيضاح الحق في دخول الجني في الإنس» لابن باز، «الصحيح البرهان فيما يطرد الشيطان»، ص٥١، «عالم الجن والشياطين» ص (٥٤)، ١٣٧، «المدرسة العقلية ´الحديثة» ص (٢٤١).


الصفحة التالية
Icon