* عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-؛ قال: إن المشركين من قريش لما خرجوا لينصروا العير ويقاتلوا عليها نزلوا على الماء يوم بدر، فغلبوا المؤمنين عليه؛ فأصاب المؤمنين الظمأ؛ فجعلوا يصلون مجنبين ومحدثين، فألقى الشيطان في قلوب المؤمنين الحزن، فقال لهم: أتزعمون أن فيكم النبي - ﷺ -، وأنكم أولياء الله وقد غلبتم على الماء، وأنتم تصلون مجنبين ومحدثين؟ حتى تعاظم ذلك في صدور أصحاب النبي - ﷺ -؛ فأنزل الله من السماء ماء حتى سأل الوادي، فشرب المؤمنون، وملأوا الأسقية، وسقوا الركاب، واغتسلوا من الجنابة، فجعل الله في ذلك طهوراً وثبت أقدامهم، وذلك أنه كانت بينهم وبين القوم رملة، فبعث الله المطر عليها؛ فلبدها حتى اشتدت وثبت عليها الأقدام، ونفر النبي - ﷺ - بجميع المسلمين وهم يومئذ ثلثمائة وثلاثة عشر رجلاً: منهم سبعون ومائتان من الأنصار، وسائرهم من المهاجرين، وسيد المشركين يومئذ عتبة بن ربيعة؛ لكبر سنه.
فقال عتبة: يا معشر قريش! إني لكم ناصح، وعليكم مشفق، لا أدخر النصيحة لكم بعد اليوم، وقد بلغتم الذي تريدون، وقد نجا أبو سفيان؛ فارجعوا وأنتم سالمون؛ فإن يكن محمد صادقاً؛ فأنتم أسعد الناس بصدقه، وإن يك كاذباً؛ فأنتم أحق من حقن دمه، فالتفت إليه أبو جهل فشتمه وفجّ وجهه، وقال له: قد امتلأت أحشاؤك رعباً، فقال له عتبة: سيعلم اليوم من الجبان المفسد لقومه.
فنزل عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، حتى إذا كانوا أقرب أسنة المسلمين قالوا: ابعثوا إلينا عدتنا منكم نقاتلهم، فقام غلمة من بني الخزرج، فأجلسهم النبي - ﷺ -، ثم قال: "يا بني هاشم! أتبعثون إلى أخويكم -والنبي منكم- غلمة بني الخزرج؟ "، فقام حمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، وعبيدة بن الحارث، فمشوا إليهم في الحديد، فقال عتبة: تكلموا نعرفكم، فإن تكونوا أكفاءنا نقاتلهم، فقال حمزة -رضي الله عنه-: أنا أسد الله وأسد