بلاد لا يذكرون الله -تعالى- فيها، عبدة النيران، وكنا نعبد الله؛ فطردونا، فقدمنا عليكم، فلما كان بعد قالوا: يا سلمان! إن ها هنا قوماً في هذه الجبال هم أهل دين، وإنا نريد لقاءهم، فكن أنت ها هنا مع هؤلاء؛ فإنهم أهل دين، وسترى منهم ما تحب، قلت: ما أنا بمفارقكم، قال: وأو صوابي أهل البيعة: أقم معنا يا غلام؛ فإنه لا يعجزك شيء يسعنا، قال: قلت: ما أنا بمفارقكم، فخرجوا وأنا معهم، فأصبحنا بين جبال، فإذا صخرة وماء كثير في جرار، وخبز كثير، فقعدنا عند الصخرة، فلما طلعت الشمس خرجوا من بين تلك الجبال، يخرج رجل رجل من مكانه، كأن الأرواح انتزعت منهم، حتى كثروا، فرحبوا بهم وحفوا، وقالوا: أين كنتم؛ لم نرَكم؟ قالوا: كنا في بلاد لا يذكرون اسم الله -تعالى-، فيها عبدة النيران، كنا نعبد الله -تعالى-، فطردونا، فقالوا: ما هذا الغلام؟ فطفقوا يثنون علي، وقالوا: صحبنا من تلك البلاد فلم نرَ منه إلا خيراً.
قال سلمان: فوالله؛ إنهم لكذلك؛ إذ طلع عليهم رجل من كهف جبل، قال: فجاء حتى سلم وجلس، فحفوا به وعظّموه أصحابي الذين كنت معهم وأحدقوا به، فقال: أين كنتم؟ فأخبروه، فقال: ما هذا الغلام معكم؟ فأثنوا عليّ خيراً، وأخبروه باتباعي إياهم، ولم أرَ مثل إعظامهم إياه، فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر من أرسل من رسله وأنبيائه وما لقوا وما صنع به، وذكر مولد عيسى ابن مريم -عليه السلام- وأنه ولد بغير ذكر، فبعثه الله -عزّ وجلّ- رسولاً، وأحيا على يديه الموتى، وإنه يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه؛ فيكون طيراً بإذن الله، وأنزل عليه الإنجيل، وعلّمه التوراة، وبعثه رسولاً إلى بني إسرائيل؛ فكفر به قوم، وآمن به قوم، وذكر بعض ما لقي عيسى ابن مريم وإنه كان عبد الله أنعم الله عليه، فشكر ذلك له ورضي الله عنه؛ حتى قبضه الله -عزّ وجلّ- وهو يعظهم، ويقول: اتقوا الله والزموا ما جاء به عيسى -عليه الصلاة والسلام- ولا تخالفوا؛ فيخالف بكم، ثم قال: من أراد أن يأخذ من هذا شيئاً؛ فليأخذ، فجعل الرجل يقوم فيأخذ الجرة من


الصفحة التالية
Icon