بالأرض؛ لأنها سألتني ما لا أقدر عليه، وأنت يا رسول الله! على موعد من ربك وهو جاعل بعد العسر يسراً، قال: فلم أزل أكلمه حتى رأيت رسول الله قد تحلل عنه بعض ذلك، قال: فخرجت، فلقيت أبا بكر الصديق فحدثته الحديث، فدخل أبو بكر على عائشة فقال: قد علمت أن رسول الله لا يدخر عنكن شيئاً؛ فلا تسألنه ما لا يجد، انظري حاجتك فاطلبيها إلي، وانطلق عمر إلى حفصة فذكر لها مثل ذلك، ثم اتبعا أمهات المؤمنين فجعلا يذكران لهن مثل ذلك، حتى دخلا على أم سلمة فذكرا لها مثل ذلك، فقالت لهما أم سلمة: ما لكما ولما هاهنا؟ رسول الله - ﷺ - أعلم بأمرنا عيناً، ولو أراد أن ينهانا لنهانا، فمن نسأل إذا لم نسأل رسول الله؟ هل يدخل بينكما وبين أهليكما أحد؟ فما نكلفكما هذا، فخرجا من عندها، فقال أزواج النبي - ﷺ - لأم سلمة: جزاك الله خيراً حين فعلت ما فعلت؛ ما قدرنا أن نرد عليهما شيئاً، ثم قال جابر لأبي سعيد: ألم يكن الحديث هكذا؟ قال: بلى، وقد بقيت منه بقية، قال جابر: فأنا آتي على ذلك إن شاء الله، ثم قال: فأنزل الله في ذلك: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (٢٨)﴾؛ يعني: متعة الطلاق، ويعني بتسريحهن: تطليقهن طلاقاً جميلاً، ﴿وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ﴾: تخترن الله ورسوله؛ فلا تنكحن بعده أحداً.
فانطلق رسول الله - ﷺ - فبدأ بعائشة، فقال: "إن الله قد أمرني أن أخيّركن بين أن تخترن الله ورسوله والدار الآخرة وبين أن تخترن الدنيا وزينتها، وقد بدأت بك، فأنا أخيّرك"، قالت: أي نبي الله! وهل بدأت بأحد منهن قبلي؟ قال: "لا"، قالت: فإني أختار الله ورسوله والدار الآخرة، فاكتم علي ولا تخبر بذاك نساءك، قال رسول الله - ﷺ -: "بل أخبرهن"، فأخبرهن رسول الله - ﷺ - جميعاً؛ فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة، وكان خياره بين الدنيا والآخرة أن يخترن الآخرة أو الدنيا، قال: {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ


الصفحة التالية
Icon