فبينما هم كذلك؛ إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة -وكانوا عيبة نصح رسول الله - ﷺ - من أهل تهامة- فقال: إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا أعداد مياه الحديبية، ومعهم العوذ المطافيل، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت، فقال رسول الله - ﷺ -: "إنا لم نجئ لقتال أحد؛ ولكنا جئنا معتمرين، وإن قريشاً قد نهكتهم الحرب وأضرت بهم؛ فإن شاءوا ماددتهم مدة ويخلوا بيني وبين الناس، فإن أظهر؛ فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإلا؛ فقد جموا، وإن هم أبوا؛ فوالذي نفسي بيده، لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي، ولينفذن الله أمره"، فقال بديل: سأبلّغهم ما تقول، قال: فانطلق حتى أتى قريشاً، قال: إنّا جئناكم من عند هذا الرجل، وسمعناه يقول قولاً، فإن شئتم أن نعرضه عليكم؛ فعلنا، فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا أن تخبرونا عنه بشيء، وقال ذوو الرأي منهم: هات ما سمعته يقول، قال: سمعته يقول كذا وكذا، فحدثهم بما قال النبي - ﷺ -، فقام عروة بن مسعود فقال: أي قوم! ألستم بالوالد؟ قالوا: بلى، قال: أوَلست بالولد؟ قالوا: بلى، قال: فهل تتهموني؟ قالوا: لا، قال: ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ، فلما بلحوا عليّ؛ جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني؟ قالوا: بلى، قال: فإن هذا قد عرض عليكم خطبة رشد اقبلوها ودعوني آتِهِ، قالوا: ائته، فأتاه، فجعل يكلم النبي - ﷺ -، فقال النبي - ﷺ - نحواً من قوله لبديل.
فقال عروة عند ذلك: أي محمد! أرأيت إن استأصلت أمر قومك، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك؟ وإن تكن الأخرى؛ فإني والله لا أرى وجوهاً، وإني لأرى أشواباً من الناس خليقاً أن يفروا ويدعوك، فقال أبو بكر: امصص بظر اللات، أنحن نفِرّ عنه وندعه؟ فقال: من ذا؟ قالوا: أبو بكر، قال: أما والذي نفسي بيده؛ لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك، قال: وجعل يكلم النبي - ﷺ -،


الصفحة التالية
Icon