خرج رسول الله - ﷺ - قرعت حفصة الجدار الذي بينها وبين عائشة، فقالت: إلا أبشري، إن رسول الله - ﷺ - قد حرم أمته وقد أراحنا الله منها. فقالت عائشة: أما والله لقد كان يريبني أنه يقيل من أجلها؛ فأنزل الله -عزّ وجلّ-: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ الله لَكَ﴾ ثم قرأ رسول الله - ﷺ -: ﴿وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ﴾؛ فهي عائشة وحفصة، وزعموا أنهما كانتا لا تكتم إحداهما الأخرى شيئاً.
وكان لي أخ من الأنصار إذا حضرت وغاب في بعض ضيعته حدثته بما قال رسول الله - ﷺ -، [و] إذا غبت في بعض ضيعتي حدثني، فأتاني يوماً وقد كنا نتخوف جبلة بن الأيهم الغساني فقال: ما دريت ما كان؟ فقلت: وما ذاك، لعل جبلة بن الأيهم الغساني يذكر؟ فقال: لا، ولكنه أشد من ذلك، إن رسول الله - ﷺ - صلى الصبح فلم يجلس كما كان يجلس، ولم يدخل على أزواجه كما كان يصنع، وقد اعتزل في مشربته، وقد تركت الناس يموجون، ولا يدرون ما شأنه؟ فأتيت والناس في المسجد يموجون ولا يدرون، فقلت: يا أيها الناس! كما أنتم.
ثم أتيت رسول الله - ﷺ - وهو في مشربته قد جعلت له عجلة فرقي عليها، فقلت لغلام [له] أسود -وكان يحجبه-: استأذن لعمر بن الخطاب، فاستأذن لي فدخلت ورسول الله - ﷺ - في مشربته، فيها حصير وأُهب معلقة، وقد أفضى بجنبه إلى الحصير، فأثر الحصير في جنبه، وتحت رأسه وسادة من أدم محشوة ليفاً، فلما رأيته؛ بكيت، فقال: "ما يبكيك؟ "، قلت: يا رسول الله! فارس والروم يضطجع أحدهم في الديباج والحرير، فقال: "إنهم عجلت لهم طيباتهم في الدنيا، والآخرة لنا"، ثم قلت: يا رسول الله! ما شأنك؟ فإني قد تركت الناس يموج بعضهم في بعض، فعن خبر أتاك اعتزلتهن؟ فقال: "لا؛ ولكن بيني وبين أزواجي شيء، فأقسمت ألا أدخل عليهن شهراً"، ثم خرجت على الناس، فقلت: يا أيها الناس! ارجعوا؛ فإن رسول الله - ﷺ - كان بينه وبين أزواجه شيء فأحب أن يعتزل.
ثم دخلت على حفصة، فقلت: يا بنية! أتكلمي رسول الله - ﷺ -