أنت أم عجمي؟ قال: بل عربي، قال: ممن أهلك؟ قال: كلب، قال: من أي كلب؟ قال: من بني عبد ود، قال: ويحك..! ابن مَنْ أنت؟ قال: ابن حارثة بن شراحيل، قال: وأين أصبت؟ قال: في أخوالي، قال: ومن أخوالك؟ قال: طي، قال: ما اسم أمك؟ قال: سعدى، فالتزمه، وقال ابن حارثة: ودعا أباه، وقال: يا حارثة! هذا ابنك، فأتاه حارثة، فلما نظر إليه؛ عرفه، قال: كيف صنع مولاك إليك؟ قال: يؤثرني على أهله وولده، ورزقت منه حباً، فلا أصنع إلا ما شئت.
فركب معه أبوه وعمه وأخوه حتى قدموا مكة، فلقوا رسول الله - ﷺ -، فقال له حارثة: يا محمد! أنتم أهل حرم الله وجيرانه وعند بيته، تفكون العاني، وتطعمون الأسير، ابني عبدك؛ فامنن علينا، وأحسن إلينا في فدائه؛ فإنك ابن سيد قومه، فإنا سنرفع لك في الفداء ما أحببت، فقال له رسول الله - ﷺ -: "أعطيكم خيراً من ذلك"، قالوا: وما هو؟ قال: أخيّره؛ فإن اختاركم؛ فخذوه بغير فداء، وإن اختارني؛ فكفوا عنه، قالوا: جزاك الله خيراً فقد أحسنت، فدعاه رسول الله - ﷺ -، فقال: "يا زيد! أتعرف هؤلاء؟ "، قال: نعم، هذا أبي وعمي وأخي، فقال رسول الله - ﷺ -: "فأنا من قد عرفته، فإن اخترتهم؛ فاذهب معهم، وإن اخترتني؛ فأنا من تعلم"، فقال زيد: ما أنا بمختار عليك أحداً أبداً، أنت مني بمكان الوالد والعم، قال له أبوه وعمه: يا زيد! تختار العبودية على الربوبية؟ قال: ما أنا بمفارق هذا الرجل.
فلما رأى رسول الله - ﷺ - حرصه عليه؛ قال: اشهدوا أنه حر، وأنه ابني يرثني وأرثه، فطابت نفس أبيه وعمه؛ لما رأوا كرامته عليه، فلم يزل زيد في الجاهلية يدعى: زيد بن محمد؛ حتى نزل القرآن: ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ﴾؛ فدعي زيد بن حارثة (١).

(١) ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (٦/ ٥٦٣، ٥٦٤) ونسبه لابن مردويه.


الصفحة التالية
Icon