وقال ابن أبي حاتم: "إن الله عز وجل ابتعث محمدا رسوله -صلى الله عليه وسلم- إلى الناس كافة، وأنزل عليه الكتاب تبيانا لكل شيء، وجعله موضع الإبانة عنه، فقال: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل: ٤٤]، وقال عز وجل: ﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ [النحل: ٦٤]، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو المبين عن الله عز وجل أمره، وعن كتابه معاني ما خوطب به الناس، وما أراد الله عز وجل به وعني فيه، وما شرع من معاني دينه وأحكامه وفرائضه وموجباته وآدابه ومندوبه وسننه التي سنها، وأحكامه التي حكم بها، وآثاره التي بثها، فلبث -صلى الله عليه وسلم- بمكة والمدينة ثلاثا وعشرين سنه يقيم للناس معالم الدين، يفرض الفرائض، ويسن السنن، ويمضيى الأحكام، ويحرم الحرام، ويحل الحلال، ويقيم الناس على منهاج الحق بالقول والفعل، فلم يزل على ذلك حتى توفاه الله عز وجل، وقبضه إليه" (١).
وقال ابن كثير في تفسير الآية: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ﴾ يعني: القرآن، ﴿لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ من ربهم، أي: لعلمك بمعنى ما أنزل عليك، وحرصك عليه، واتباعك له، ولعلمنا بأنك أفضل الخلائق وسيد ولد آدم، فتفصل لهم ما أجمل، وتبين لهم ما أشكل. ﴿وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ أي: ينظرون لأنفسهم فيهتدون، فيفوزون بالنجاة في الدارين" (٢).
وقال الشنقيطي-رحمه الله-: "المراد بالذكر في هذه الآية: القرآن (٣)، كقوله: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)﴾ [الحجر: ٩].
(٢) تفسير القرآن العظيم ٤: ٥٧٤، وينظر: تفسير الطبري ١٤: ٢٣٢.
(٣) قال ابن الجوزي في (زاد المسير) ٤: ٤٥٠ - في بيان معنى الذكر الوارد في الآية: "هو القرآن بإجماع المفسرين".