الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: ٦٧]، وذلك التبليغ من وجهين: تبليغ الرسالة وهو الكتاب، وبيان معانيه، وكذلك فَعَل -صلى الله عليه وسلم- فأنت إذا تأملت موارد السنة وجدتها بيانا للكتاب، هذا هو الأمر العام فيها.. فكتاب الله تعالى هو أصل الأصول، والغاية التي تنتهي إليها أنظار النظار، ومدارك أهل الاجتهاد" (١).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله -: "فإن قال قائل: فما أحسن طرق التفسير؟ فالجواب: إن أصح الطرق في ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن، فما أجمل في مكان فإنه قد فُسِّر في موضع آخر، وما اختصر من مكان فقد بُسط في موضع آخر، فان أعياك ذلك فعليك بالسنة، فإنها شارحة للقرآن وموضحة له، بل قد قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي: كل ما حكم به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فهو مما فهمه من القرآن، قال الله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (١٠٥)﴾ [النساء: ١٠٥]، وقال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٤٤)﴾ [النحل: ٤٤]، وقال تعالى: ﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٦٤)﴾ [النحل: ٦٤]، ولهذا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه) (٢) يعنى السنة، والسنة أيضا تنزل عليه بالوحي كما ينزل
(٢) أخرجه أحمد ٤: ١٣١، وأبو داود رقم (٤٦٠٤) في السنة: باب في لزوم السنة، وابن حبان في صحيحه كما في الإحسان ١: ١٨٨ رقم (١٢)، والطحاوي في (شرح معاني الآثار) ٤: ٢٠٩، والطبراني في الكبير ٢٠: ٢٨٣ رقم (٦٦٩) (٦٧٠)، والبيهقي في السنن الكبرى ٩: ٣٣٢، والخطيب البغدادي في (الفقيه والمتفقه) ١: ٢٦٢ - ٢٦٤ رقم (٢٦٢) (٢٦٣)، من طريق عبد الرحمن ابن أبي عوف الجرشي، عن المقدام بن معدي كرب -رضي الله عنه- مرفوعا، وفيه زيادة في آخره. وسنده صحيح.