حسين الذهبي -رحمه الله- في كتابه (التفسير والمفسرون)، وهو من المتأخرين (ت ١٣٩٧ هـ)، وتتابع الناس بعده -ممن كتب في المسألة- متابعين له بنصب الخلاف.
والذي ظهر لي أن عرضه للخلاف في المسألة بتلك الصورة غيرُ صحيح، وسببُ وقوعه في ذلك: الوهمُ في فهمِ عبارة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فإنه فهم منها أنه يذهب إلى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- فسَّر القرآن كله، من أوله إلى آخره، وهذا لا يوافق عليه كما سيأتي. وبالتالي لست محتاجا لعرض الخلاف وأدلة كل قول، لأن الخلاف لا وجود له أصلا. وما ذكره -وكذا من جاء بعده من الباحثين- من أدلة أخذها من كلام شيخ الإسلام وحملها على المعنى الذي فهمه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- فسَّر القرآن كله؛ فليس فيها دلالة على ذلك، كما أجاب عنها في أثناء مناقشة القولين.
ويؤيد ما سبق أنني لم أجد -فيما وقفت عليه- أحدا قبل الدكتور الذهبي نصَّ على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- فسَّر القرآن كله، بالمعنى الذي فهمه الدكتور، ولم أجد أحدا قبله ساق الخلاف في المسألة كما ساقه في كتابه.
وما ورد عن ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، فليس فيه ما نسب إليهما من كون النبي -صلى الله عليه وسلم- فسَّر القرآن كله بجمله وألفاظه، وبيَّن كل معاني القرآن كما بين ألفاظه -كما صرَّح بذلك بعض من كتب في المسألة (١) -، بل هو محمول على ما سبق، ولعل من المناسب أن أسوق بعض عباراتهما في هذا المقام:
١ - قال ابن تيمية: "يجب أن يعلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بين لأصحابه معاني القرآن كما بين لهم ألفاظه، فقوله تعالى: ﴿لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل: ٤٤] يتناول هذا وهذا" (٢).

(١) انظر على سبيل المثال: د. محمد الذهبي في (التفسير والمفسرون) ١: ٤٩، ود. محمد إبراهيم عبد الرحمن في (التفسير النبوي للقرآن وموقف المفسرين منه) ص ٥٣.
(٢) مجموع الفتاوى ١٣: ٣٣١، وهذا النص في صدر مقدمته المشهورة في أصول التفسير. وقد استفدت في جمع النقول عن ابن تيمية وابن القيم من (شرح مقدمة ابن تيمية في أصول التفسير) د. مساعد الطيار.


الصفحة التالية
Icon