ويؤيد ما سبق أيضا: دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- لابن عباس -رضي الله عنه- بقوله: (اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل) (١)، قال ابن الأثير: "النهي عن تفسير القرآن بالرأي لا يخلو إما أن يكون المراد به: الاقتصار على النقل والمسموع، وترك الاستنباط، أو المراد به: أمر آخر.
وباطل أن يكون المراد به: ألا يتكلم أحد في القرآن إلا بما سمعه، فإن الصحابة رضى الله عنهم قد فسروا القرآن، واختلفوا في تفسيره على وجوه، وليس كل ما قالوه سمعوه من النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإن النبي -صلى الله عليه وسلم- دعا لابن عباس فقال: (اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل)، فإن كان التأويل مسموعا كالتنزيل؛ فما فائدة تخصيصه بذلك؟ " (٢).
وقد وقفت على نص نفيس لأحد كبار أئمة المحدثين، وهو الحافظ ابن حبان البستي، فقد قال: "الله جل وعلا ولَّى رسوله -صلى الله عليه وسلم- تفسير كلامه، وبيان ما أنزل إليه لخلقه، حيث قال: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل: ٤٤] ومن أمحل المحال أن يأمر الله جل وعلا النبي المصطفى أن يبين لخلقه مراده -حيث جعله موضع الأمانة عن

(١) أخرجه أحمد في (المسند) ١: ٢٦٦، ٣١٤، ٣٢٨، ٣٣٥، وفي (فضائل الصحابة) رقم (١٨٥٦) (١٨٥٨) (١٨٨٢)، وابن سعد في (الطبقات) ٢: ٣٦٥، وابن حبان في صحيحه كما في الإحسان ١٥: ٥٣١ رقم (٧٠٥٥)، والحاكم في (المستدرك) ٣: ٥٣٤ كلهم من طريق عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما، بهذا اللفظ. وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. وأقره الذهبي.
وأصل الحديث في الصحيحين، وليس فيهما (علمه التأويل). ينظر: صحيح البخاري رقم (٧٥) (٣٧٥٦) (٧٢٧٠)، وصحيح مسلم رقم (٢٤٧٧)، ولفظ البخاري في المواضع الثلاثة: (اللهم علمه الكتاب)، ولفظ مسلم: (اللهم فقهه).
قال السندي في حاشيته على مسند أحمد -كما في المسند المحقق ٤: ٢٢٦ - :"المراد بالتأويل: تأويل القرآن، فكان يسمى بحرا، وترجمان القرآن، والله تعالى أعلم".
(٢) جامع الأصول ٢: ٤.


الصفحة التالية
Icon