قال أَبو إسحاق: والحجة القاطعة في هذا القول ما قال الله عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (١٠١) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا﴾ [الأنبياء: ١٠١، ١٠٢]، فهذا والله أَعلم دليل أَن أَهل الحسنى لا يدخلون النار، وفي اللغة: وردت بلد كذا وكذا؛ إِذا أَشرفت عليه، دخلته أو لم تدخله".
وأشار ابن حجر في الفتح ٣: ١٤٩ إلى القولين الأولين، وقال: "وهذان القولان؛ أصح ما ورد في ذلك، ولا تنافي بينهما، لأن من عبر بالدخول تجوز به عن المرور، ووجهه: أن المار عليها فوق الصراط في معنى من دخلها، لكن تختلف أحوال المارة باختلاف أعمالهم فأعلاهم درجة من يمر كلمع البرق كما سيأتي تفصيل ذلك.. ويؤيد صحة هذا التأويل: ما رواه مسلم من حديث أم مبشر أن حفصة قالت للنبي -صلى الله عليه وسلم-: -لما قال: (لا يدخل أحد شهد الحديبية النار) - أليس الله يقول: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا﴾ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (قد قال الله عز وجل: ﴿ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ الآية، وفي هذا بيان ضعف قول من قال: الورود مختص بالكفار، ومن قال: معنى الورود: الدنو منها، ومن قال: معناه الإشراف عليها، ومن قال: معنى ورودها؛ ما يصيب المؤمن في الدنيا من الحمى، على أن هذا الأخير ليس ببعيد، ولا ينافيه بقية الأحاديث، والله أعلم).
ونقل في الفتح أيضًا (٣: ١٤٨)، عن الخطابي في بيان معنى قوله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا﴾ أنه قال: (معناه: لا يدخل النار ليعاقب بها، ولكنه يدخلها مجتازا).
قلت: والأقوال الخمسة الأولى يمكن الجمع والتأليف بينها، بلا تعارض.
وأشار الإمام الطبري إلى هذه المسالة -في تفسيره ١٥: ٥٩٠ - ٦٠٥ -، وقال مرجحًا ١٥: ٦٠١: "وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: يردها الجميع، ثم يصدر عنها المؤمنون فينجيهم الله، ويهوي فيها الكفار.
وورود هموها هو ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مرورهم على الصراط المنصوب على متن جهنم، فناج مسلَّم، ومكدَّس فيها".