لكن رأيت أن هذا الحديث -المتعلق بآية الزمر- في الصعق، أما حديثنا هنا -المتعلق بآية النمل- ففي الفزع.
ولذا لما أشار الإمام الطبري إلى آية النمل: ﴿وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ﴾، وآية الزمر: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ﴾؛ ذكر الخلاف في تعيين المستثنى -عند آية الزمر- وروى حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ﴾ فقيل: من هؤلاء الذين استثنى الله يا رسول الله؟ قال: (جبرائيل، وميكائيل، وملك الموت...) الحديث، -وسيأتي بحثه برقم (٢١٧) إن شاء الله-، وقال ٢٠: ٢٥٦: (وقال آخرون: عني بالاستثناء في الفزع: الشهداء، وفي الصعق: جبريل، وملك الموت، وحملة العرش.. -ثم روى حديث الصور، ثم قال:- وهذا القول الذي روي في ذلك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ أولى بالصحة، لأن الصعقة في هذا الموضع الموت، والشهداء وإن كانوا عند الله أحياء، كما أخبر الله تعالى ذكره؛ فإنهم قد ذاقوا الموت قبل ذلك.
وإنما عنى جل ثناؤه بالاستثناء في هذا الموضع الاستثناء من الذين صعقوا عند نفخة الصعق، لا من الذين قد ماتوا قبل ذلك بزمان ودهر طويل، وذلك أنه لو جاز أن يكون المراد بذلك من قد هلك وذاق الموت قبل وقت نفخة الصعق؛ وجب أن يكون المراد بذلك: من قد هلك فذاق الموت من قبل ذلك؛ لأنه ممن لا يصعق في ذلك الوقت، إذ كان الميت لا يجدد له موت آخر في تلك الحال".
وهذا من دقيق نظره، وجودة فهمه -رحمه الله-.
ينظر: (شعب الإيمان) للبيهقي ١: ٥٣٣، (التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة) للقرطبي ص ١٨٨.