المسألة الثالثة: في محل استعمال الإستعاذة:
ولا خلاف في التزام استعمالها قبل القراءة وقبل البسملة غير أنا لو تركنا التعوذ قبل القراءة والبسملة لإقتضي لفظ الآية تقديم القراءة على التعوذ بدليل أنك إذا قلت: إذا رأيت هلال رمضان فصم، وإذا رأيت هلال شوال فأفطر، لزم أن (١) الصوم والفطر لا يكونان مطلوبين إلا بعد حصول الرؤية فكذا قوله تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ﴾ (٢) يقتضى أن الإستعاذة لا تكون إلا بعد القراءة، فلما وجدنا الإِتفاق على العمل بتقديم التعوذ على القراءة دل ذلك على أن في الآية إضماراً وأن المراد: فإذا أردت قراءة القرآن فاستعذ، وهذا من باب المجاز الذي أقيم فيه المسبب مقام السبب: لأن إرادة القراءة هي السبب في حصول القراءة. ونظير هذه الآية قوله تعالى: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ الآية (٣).
إذا تأولنا أنه أرافى القيام إلى الصلاة مطلقاً فيكون المعنى إذا أردتم القيام إلى الصلاة فاغسلوا (٤) وأما إن تأولنا أنه أراد: إذا قمتم من النوم إلى الصلاة

= القسم الثالث:
سائر القراء لم رد عنهم نص عن جهر ولا إخفاء. والمختار للجماعة الجهر بالإستعاذة وقد صارت رواية الإخفاء عندهم كالمرفوضة، ورب شيء هكذا روى ثم يسقط العمل به
انتهى. انظر كتاب الإِقناع جـ ١ ص ١٥٢، ١٥٣.
(١) في الأصل (يكفر) بين (أن) و (الصوم) وهو خطأ والصواب ما أثبته كما في (ت) و (ز) و (س).
(٢) الآية (٩٨) من سورة النحل - ١٦.
(٣) الآية (٦) من سورة المائدة - ٥.
(٤) ودليل هذا المعنى قوله تعالى: ﴿وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا﴾ الآية (٤) من سورة الأعراف. فوقع في ظاهر التلاوة أن مجيء البأس بعد الهلاك، وليس المعنى على ذلك إنما معناه: وكم من قرية أردنا إهلاكها فجاءها بأسنا، فمجيء البأس بعد إرادة الهلاك وقبل الهلاك. وكذلك =


الصفحة التالية
Icon