عارضاً وفيه إبقاء الأصل؟
فالجواب: أن الأصل كما قلت، أن يكون بتائين ثم إن العرب منهم من يتكلم بالأصل ولا يبالي بالثقل ومنهم من يستثقل فيخفف بالحذف (١) ويطرد ذلك في الوصل والإبتداء ويلتزم هذا حتى يصير كأنه الأصل ولا يعرج على ما كان قبل ذلك. وهذا المعنى ملحوظ عندهم وإليه إشارة قائلهم:

إذا انصرفت نفسي عن الأمر لم تكد إليه بوجه آخر الدهر ترجع (٢)
فلما صار هذا الحذف كأنه أصل في الكلام حكم للتشديد المنبه على الأصل بحكم العارض كما قالوا: (اجتمعت أهل اليمامة) بإثبات التاء في الفعل لما كان الذي كثر في كلامهم واشتهر أن يقولوا: (اجتمعت اليمامة) ويحذفون (الأهل) حتى صار كالمتروك في الأصل وإن كان إثباته هو الأصل، فإن لفظ به يوماً ما فقيل (اجتمت أهل اليمامة) أبقوا التاء وحكموا لأهل بحكم المفخم الزائد حتى صار (اجتمع أهل اليمامة) بحذف التاء قليلاً في كلامهم، ويقوى كون هذا التشديد في حكم العارض اختصاصه بالوصل دون الإبتداء إذ لا يجوز الإبتداء بهذه التاء في هذه ألكلمة وسائر أخواتها إلا بالتخفيف كما هو مذكور في موضعه من فرش الحروف، ولا يجوز إدخال همزة الوصل ولا النطق بتاءين مفككتين، وإن شئت قلت: إن الذي ذهب من العرب إلى التشديد لم ترتكبه بعد استقرار
(١) في (الأصل) (بالخوف) (وهو خطأ والصواب ما في باقي النسخ ولذا أثبته.
(٢) قاله معن؛ أوس المزني، شاعر مجيد فحل، أسلم مع قومه وعمر إلى زمن الفتنة بين عبد الله بن الزبير ومروان بن الحكم.
انظر: ديوان معن بن أوس ص ٧٤، وخزانة الأدب ٨/ ٢٩٢، والحماسة لأبي تمام ١/ ٥٦٤، والخزانة ٧/ ٢٦٠ - ٢٦١، زهر الآداب ٢/ ٨١٧.


الصفحة التالية
Icon