المطلب الثاني: نشأة التفسير ومدارسه:
انطلاقا من قول الله جل في علاه:
﴿وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس مانزل إليهم﴾ (١)
كانت نشأة التفسير على يد معلم البشرية محمد - ﷺ - الذي لاينطق عن الهوى، وقد انقسم التفسير المروي عنه - ﷺ - إلى قسمين:
الأول: عبارة عن تفسير لبعض المفردات، أو الألفاظ المجملة وهذا قليل لكون القرآن نزل بلسان عربي مبين في قوم سليقتهم العربية فلم يكن ثم حاجة ماسة للإغراق في مثل هذا النوع من التفسير عن رسول الله - ﷺ - (٢)
الثاني: التفسير الإجمالي والموضوعي لجميع مقاصد القرآن، وهذا في الحقيقة قد بينه النبي - ﷺ - أيما بيان فالمتأمل لكتاب الله يجد أنه تكلم عن العقيدة في الله والملائكة والأنبياء والكتب المنزلة واليوم الآخر والقدر، وهذه المباحث قد أخذت جانبا عظيما من أحاديث النبي - ﷺ - القولية والفعلية مفسرة لمضمونها وشارحة لمقصودها، كما تحدثت آيات أخرى عن العبادات: من صلاة وزكاة وصوم وحج ونذر وغير ذلك، وهذه جل الأحاديث النبوية تفسرها وتوضح مجملها، وتحدثت آيات القرآن عن أحكام شرعية في المعاملات وغيرها: من نكاح وطلاق وبيع وشراء وطعام وشراب وقصاص وحدود وميراث ونحو ذلك، وهذه أيضا أخذت جانبا كبيرا من السنة النبوية التي لم تدعها إلا واضحة جلية، ولم يبق إلا آيات تتعلق بسيرة النبي - ﷺ - ومغازيه وعلاقاته بالمشركين والكتابيين، وهذه لا مفسر لها إلا ماأثر عنه - ﷺ - من تلك الأحوال، وآيات تتعلق بقصص الأنبياء السابقين، وهذه تلاوتها تغني عن تفسيرها، وبعض مااحتيج فيه إلى تفسير بينه النبي - ﷺ -، وماكان فضلا تركه - ﷺ - ورخص في الحديث عن بني إسرائيل.
_________
(١) النحل: ٤٤.
(٢) انظر مقدمة ابن خلدون ص: ٤٨٩، التفسير والمفسرون ١/ ٤٥، ٤٦.