المشرق بما أهمهم عن شأن المغرب، حتى اعتدل الأمر لمعاوية - رضي الله عنه - سنة ٤١ هـ، فأرسل إليها معاوية بن حديج، وفي سنة ٤٢ هـ غزاها عقبة ابن نافع ويبدو أن هاتين الغزوتين لم تتوغلا داخل أرض إفريقية، أما الغزوة الموالية فكانت ذات شأن، وقد قادها معاوية بن حديج سنة ٤٥ هـ، وكانت ردا على المحاولة التي قامت بها الدولة البيزنطية لإعادة إفريقية إلى نفوذها، فهزم معاوية جيوش البيزنطيين، وأعاد فتح إفريقية مدينة مدينة حتى وصل جبل القرن فعسكر هناك وبنى مساكن للجيوش، واتخذ ذلك الموقع قيروانا (١) وجه منه سراياه إلى البلاد، ففتح سوسة وجلولاء والجم وبنزرت، ولا شك أنه قد سيطر على جميع تلك الجهات لأنه تمكن سنة ٤٥ هـ من غزو صقلية لأول مرة في التاريخ الإسلامي، كما أغزى جيشه جزيرة جربة، ففتحت سنة ٤٥ هـ بقيادة رويفع بن ثابت الأنصاري، وقد آتت هذه الغزوة أكلها حيث ظهر الإسلام في البربر، وتمكن الجيش الإسلامي من التوغل في أراضيهم، وكسر شوكتهم (٢).
فغزا معاوية بن حديج إفريقية ثلاث غزوات، أما الأولى فسنة أربع وثلاثين، قبل قتل عثمان وهي غزوة لايعرفها كثير من الناس، والثانية سنة أربعين، والثالثة سنة خمس وأربعين (٣).
ولما قتل عثمان وولي أمر مصر محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة لم يوجه إليها أحداً، فلما ولي معاوية بن أبي سفيان ولى معاوية بن حديج السكونى مصر، وهو الذي بعث عقبة بن نافع لغزوها (٤).
_________
(١) بفتح القاف والراء: لفظ فارسي معرب وقد تكلمت به العرب قديما قال امرىء القيس:
وغارة ذات قيروان... كأن أسرابها الرعال
وهي اسم للقافلة وللجيش ومحط أثقاله وموضع اجتماع الناس. انظر معجم البلدان ٤/ ٤٢٠، مراصد الاطلاع ٣/ ٦١٣٩، الحلل السندسية ١/ ٢٥٩، قادة فتح المغرب ١/ ١٠٣، معالم تاريخ المغرب ٣٦، المعالم ١/ ٨.
(٢) انظر البيان المغرب ١/ ١٠، ١٧ الرياض ١/ ٢٨، النجوم الزاهرة ١/ ١٣٠، قادة فتح المغرب ١/ ٧٩، المعالم ١/ ٤٥، حسن البيان ٧٦.
(٣) فتوح مصر وأخبارها ص: ١٣٢ وفيه سنة خمسين والصواب ما ذكرته كما في غيره من المراجع وأما سنة خمسين ففيها تأسست القيروان على يد عقبة كما سيأتي وانظر الإصابة ٣/ ٤١١.
(٤) فتوح البلدان ٢٢٨.