وأتم بناء جامع الزيتونة ودار الصناعة بتونس وغزا صقلية وجنوب الصحراء، إلا أنه استجاب لمطامع رؤسائه بالمشرق فإنهم كانوا يستحبون طرائف المغرب ويبعثون فيها إلى عمال إفريقية فيرسلون لهم البربريات السنيات فلما أفضى الأمر إلى ابن الحبحاب مناهم بالكثير وتكلف لهم أو كلفوه أكثر مما كان فاضطر إلى التعسف وسوء السيرة (١)، فظلم البربر المسلمين وكلفهم مالا يطيقون وتعدى على أموالهم وأساء عماله السيرة وخاصة عمر بن عبدالله المرادي عامل طنجة فإنه تعدى في الصدقات والعشر وأراد تخميس البربر وزعم أنهم فيء للمسلمين، وذلك مالم يرتكبه عامل قبله وإنما كان الولاة يخمسون من لم يجب إلى الإسلام فكان فعله الذميم هذا سببا لنقض البلاد ووقوع الفتن العظيمة (٢).
واشتد استياء البربر المسلمين من هذه الأفعال القبيحة، ورأوا التناقض الصارخ بين تعاليم الإسلام وبين سلوك هؤلاء العمال، وأصبحت عندهم قابلية للتمرد في الوقت الذي فشت فيه النزعة الخارجية في إفريقية والمغرب، ونادى أصحابها بشعارات خادعة ظاهرها فيه بعض الحق وباطنها ينطوي على شر عظيم كالمساواة بين المسلمين ووجوب الخروج على الحكام الظلمة وغيرها، فصادف ذلك هوى في نفوس البربر وتحمس كثير منهم لما نادى به دعاة الخوارج، إلا أنهم لم يعلنوا التمرد والعصيان إلا بعد أن يئسوا من إمكانية تبليغ صوتهم بالشكوى إلى الخليفة وفي ذلك يقول الطبري: فمازال بربر إفريقية من أسمع أهل البلدان وأطوعهم إلى زمان هشام بن عبدالملك فلما دب إليهم دعاة العراق واستثاروهم شقوا عصاهم وفرقوا بينهم إلى اليوم، وكان من سبب تفريقهم أنهم ردوا على أهل الأهواء فقالوا: إنا لانخالف الأئمة بما تجني العمال ولا نحمل ذلك عليهم. فقالوا لهم: إنما يعمل هؤلاء بأمر أولئك فقالوا لهم: لانقبل ذلك حتى نبورهم (أي نختبرهم) فخرج ميسرة المطغري زعيم الصفرية في بضعة عشر إنسانا حتى يقدم على هشام
_________
(١) البيان المغرب ١/ ٥٢، وانظر الخلافة والخوارج ٦٠.
(٢) البيان المغرب ١/ ٥٢، وانظر تاريخ ابن خلدون ٤/ ١٨٩، الاستقصاء ١/ ١٠٦.