زعامة الصفرية بالمغرب بعد ذلك ميسرة المطغري وسوف يأتي تحرير القول في عكرمة عند ترجمته في المفسرين.
وهكذا اندلعت بإفريقية والمغرب ثورات لا نهاية لها، ابتدأت سنة ١٢٢ هـ وهي أول ثورة في إفريقية في الإسلام (١) وتضافرت جهود الإباضية والصفرية للإطاحة بحكومة القيروان، وأصبح هم الخليفة بالمشرق القضاء على هذه الثورات فكان يرسل الجيش تلو الاخر، وقد ذكروا أن هذه الحروب منذ أن استعرت إلى أن تم القضاء عليها، في عهد يزيد بن حاتم سنة ١٥٦ هـ بلغت ٣٧٥ موقعة (٢) ذهب ضحيتها آلاف القتلى، وقد شارك فيها العلماء مقاتلين وواعظين، فقد استنجد حنظلة بن صفوان بمن تبقى من بعثة عمر بن عبدالعزيز لما ثارت عليه الخوارج (٣) وقد دامت هذه الحروب أكثر من ثلاثين سنة تمكن الخوارج خلالها من الاستيلاء على القيروان مرتين حيث استولى عليها الصفرية سنة ١٤٠ هـ لمدة سنة وشهرين وربطوا دوابهم في المسجد الجامع، وقتلوا كل من كان فيها من قريش وعذبوا أهلها ثم وليها بعدهم الإباضية لمدة سنتين (٤).
وقد تسببت هذه الحروب في تعطيل الحركة العلمية وانشغل الناس عن الطلب، حتى قال الإمام سحنون عن هذه الفترة: كان من يحمل العلم يبقى في صدره لايسألونه عنه فيموت به مثل عبدالرحمن بن زياد بن أنعم (ت ١٦١ هـ) بقي العلم في صدره لاينشر عنه ولايعرف (٥) ومع ذلك فقد وجد من اهتم بطلب العلم من أهل إفريقية وبرع فيه منذ هذا الوقت المبكر إلا أنهم قلائل مثل: جميل بن كريب المعافري (ت ١٣٩) (٦) وزيد بن الطفيل الذي كان يرأس في هذا العهد حلقة عظيمة بجامع عقبة (٧)، وعبدالله بن فروخ الذي
_________
(١) انظر البيان المغرب ١/ ٥٢، تاريخ الرقيق ١٠٩.
(٢) ابن خلدون ٦/ ١١٣.
(٣) انظر تاريخ الرقيق ١٢٠، الرياض ١/ ١٠٣، وقد استشهد أبو كريب قاضي القيروان وجماعة كثيرة من العلماء في قتال الصفرية سنة ١٣٩ هـ (المعالم ١/ ٢٢٩).
(٤) البيان المغرب ١/ ٧٠ - ٧١.
(٥) طبقات أبي العرب ١٠٠.
(٦) انظر: الرياض ١/ ١٦٨، المعالم ١/ ٢٢٤.
(٧) انظر الرياض ١/ ١٧٢.