من أزهى عصور هذه البلاد في المجال العلمي، وفي مجال الحضارة والعمران والأمن والاستقرار وازدهرت الحياة الاقتصادية ازدهارا كبيرا خلا ما كان في عهد إبراهيم ابن أحمد (١).
واستطاعت الدولة أن تتخلص من فتن الخوارج، حيث أسس الصفرية دولتهم (المدرارية) بسلجماسة (٢) (١٤٠ هـ - ٢٩٦ هـ) وأسس الإباضية دولتهم (الرستمية) بتيهرت الجديدة (٣) (١٦١ هـ - ٢٩٧ هـ) واهتمت كل من الدولتين بشؤونها الداخلية ومالتا إلى السلامة غالبا إذا استثنينا بعض المحاولات الفاشلة التي لم تشكل خطرا على الأغالبة (٤).
وأما الوضع مع الأدارسة فكان أن وجه إبراهيم بن الأغلب إلى راشد من يقتله فلم يغن قتله شيئا وسرعان ماعين وصي آخر وهو أبو خالد يزيد ابن إلياس العبدي الذي أخذ بيعة جديدة للملك اليافع وانتشر صيته، وقدمت عليه الوفود من إفريقية والأندلس فأجزل لهم العطاء واستوزر واستكتب منهم ثم عزم على بناء مدينة جديدة، يقيم فيها هو وخاصته وجيشه فكان بناء مدينة فاس فبنى عدوة الأندلس سنة ١٩٢ هـ وعدوة القرويين سنة ١٩٣ هـ وبنى جامع الشرفاء بعدوة القرويين وجامع الأشياخ بعدوة الأندلس (٥).
ثم تمكن إدريس من محو دعوة الخوارج وغزا بعض المناطق، التي كانت تحت وطأة الكفار ثم توفي سنة ٢١٣ هـ (٦).
ثم تولى محمد بن إدريس الأمر وقسم المملكة إلى ولايات وضع على رأس كل ولاية منها واحدا من إخوته واحتفظ لنفسه بفاس وحدث بينه وبين بعض إخوانه قتال انتهى بانتصاره، وتوفي محمد بن إدريس سنة ٢٢١ هـ، وتولى بعده ولده علي بن محمد الذي توفي بدوره سنة ٢٣٤ هـ، وعهد لأخيه يحيى بالأمر من بعده، فعرف بحسن السيرة والتمسك بالدين ومقاومة البدع
_________
(١) انظر الرياض ١/ ٤١١، البيان المغرب ١/ ١١٩، ١٢٠.
(٢) انظر البيان ١/ ٣١٧، الخوارج في بلاد المغرب ١١٢.
(٣) انظر البيان المغرب ١/ ٣١٧، الخوارج في بلاد المغرب ١٤٤.
(٤) الأغالبة ص: ٩٩، ١٠١.
(٥) الملوك الأدارسة لمؤلف مجهول (مطبوع ضمن دولة الأدارسة ص: ٢٩٨) وقد حدث خلاف فيمن أسس مدينة فاس ينظر له بالتفصيل دولة الأدارسة ص: ٨٧ - ١٠٣.
(٦) انظر الحلة السيراء ٥٣١، العبر ٤/ ١٤.