ذمهم والتحذير منهم وكان مما ملأ به مجالسه: الإكثار من ذكر فضائل الصحابة والثناء عليهم (١).
ولم يتخل العلماء عن التدريس في هذه الفترة الحرجة، فلما منعوا من التحديث والإقراء في المساجد فتحوا بيوتهم للطلبة فقصدوهم للتلقي، حتى إن دار إسحاق السبائي كانت كالمسجد (٢) لكثرة من يؤمه من الطلبة، وكان أحمد بن يزيد الدباغ يسمع في داره (٣)، كما كان تلاميذ أحمد بن نصر الهواري يقصدونه في بيته بعد أن منع من التدريس في مسجد رحبة القرشيين (٤).
ووصل الأمر إلى التحيل في تعليم أطفالهم حتى يتربوا على السنة، وذلك ماقام به أبو إسحاق الجبنياني وغيره، فإنه كان يعلم أولاد الكتاميين (حملة الدعوة العبيدية) ولايأخذ منهم أجرا فيعلمهم القرآن والسنة ولايعلمهم يكتبون، ويقول: ليس يضرون الناس بالقرآن وإنما يضرونهم بالأقلام (٥).
كما قاوم علماء السنة الرافضة بطريقة الجدل والمناظرة، وقد أفحموا فيها دعاة بني عبيد، وأقاموا عليهم الحجة، ودحضوا مزاعمهم بالبراهين القاطعة، فحفظوا للسنة مكانها وللإسلام عزه، ومن هؤلاء: أبو بكر القمودي الذي ناظر أبا العباس الشيعي مناظرة أفحمه فيها (٦) وإبراهيم ابن محمد الضبي (٧)، وأبو محمد عبدالله بن التبان (٨) إلا أن أقدرهم على ذلك وأشهرهم به: أبوعثمان سعيد بن محمد بن الحداد المفسر فقد كانت له مع بني عبيد مقامات كريمة ومواقف محمودة في الدفاع عن الإسلام والذب عن السنة (٩).
ووصل الأمر إلى المواجهة المسلحة فإنه لما نزل عبيد الله برقادة ترك جبلة بن حمود الصدفي
_________
(١) انظر: المدارك ٣/ ٣٧٨.
(٢) المعالم ٣/ ٦٦.
(٣) الرياض ٢/ ٢٧٢.
(٤) المعالم ٣/ ٦.
(٥) مناقب أبي إسحاق ٢٦، المدارك ٣/ ٥١٦.
(٦) انظر طبقات الخشني ٢١٤.
(٧) انظر الرياض ٢/ ٤٦.
(٨) انظر المدارك ٣/ ٥٢١.
(٩) انظر الرياض ٢/ ٥٨، ٥٩، طبقات الخشني ١٩٩، المعالم ٢/ ٢٩٨، ورقات ١/ ٢٥٩، وقد بلغت مجالسه مع الرافضة أربعين مجلسا لم يصلنا منها إلا أربعة. وسوف تأتي ترجمته إن شاء الله تعالى.