المبحث الأول: نبذة عن علم التفسير ونشأته في هذه البلاد:
لقد سبق أن ذكرت في التمهيد ما لعلم التفسير من منزلة عليا شرف بها على سائر العلوم لكونه الطريق الموصل لفهم كلام الله المنزل الذي عليه مدار الفلاح في الدارين، ولذلك فإنه ملازم للدعوة إلى الله منذ اللحظة الأولى، فليس هناك من دعوة إلى هذا الدين إلا ومبناها على كتاب الله جل وعلا، وهذا الكتاب يحتاج إلى بيان، وما التفسير إلا هذا البيان المنشود.
نشأة التفسير في المنطقة في الصدر الأول:
ومنطقتنا كسائر المناطق الإسلامية التي فتحها الرعيل الأول من الصحابة الكرام، شرفت بتلك النخبة الواعية لمقومات الفتح وأهدافه، فليس الفتح في منظورهم إلا فتح القلوب بالهداية والتعليم، وليس النصر في تصورهم إلا قهر القوى الشيطانية التي أضلت العباد، وليس همهم الأكبر إلا إخراج الناس من الظلمات إلى النور ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.
ومع ماتقرر من كون المؤمن كالغيث أينما وقع نفع، وماثبت في الكتاب والسنة من حث على العلم والتعليم والأمر بالدعوة والتبليغ يتضح لنا أن علم التفسير نشأ مواكبا للفتح الإسلامي بلا مراء.
ولقد اشترك صحابة كثيرون في فتح إفريقية (١) غير أن ظروف الفتح وما كان من ارتدادات الأفارقة (٢) لم تساعد على استقرار بعض الصحابة للتعليم والتفقيه
في
_________
(١) كان ذلك بداية من سنة ٢٧ هـ. انظر فتح إفريقية والأندلس ص: ٣٧.
(٢) الأمر الذي أدى إلى إعادة الفتح مرارًا. انظر فتوح البلدان ص: ٢٢٧، البيان المغرب
١/ ٤، الكامل ٣/ ٣٤، تاريخ ابن خلدون ٢/ ١٢٩.