أحد وجهين أيضا: إمّا بإضمار فعل لائق تقديره: اقرؤا ﴿الم﴾، وإما بإسقاط حرف القسم، كقوله:

إذا ما الخبز تأدمه بلحم فذاك أمانة الله الثريد
يريد: وأمانة الله، وكذلك هذه الحروف أقسم الله تعالى بها. والجرّ من وجه واحد، وهو أنّها مقسم بها حذف حرف القسم وبقي عمله، كقولهم: الله لأفعلنّ. أجاز ذلك الزمخشري، وأبو البقاء، وهذا ضعيف؛ لأنّ ذلك من خصائص الجلالة المعظّمة لا يشركها فيه غيرها.
فتلخّص مما تقدّم: أنّ في ﴿الم﴾ ونحوها ستة أوجه، وهي: أنّها لا محلّ لها من الإعراب، أو لها محلّ وهو الرفع بالابتداء، أو على الخبر، والنصب بإضمار فعل، أو حذف حرف القسم، والجرّ بإضمار حرف القسم.
٢ - وأما قوله: ﴿ذلِكَ الْكِتابُ﴾ فيجوز في ذلك أن يكون مبتدأ ثانيا، والكتاب خبره، والجملة خبر ﴿الم﴾، وأغني عن الرابط باسم الإشارة، ويجوز أن يكون ﴿الم﴾ مبتدأ، و ﴿ذلِكَ﴾ خبره، و ﴿الْكِتابُ﴾ صفة لذلك، أو بدل منه، أو عطف بيان، و ﴿لا رَيْبَ﴾ فِيهِ خبر للمبتدأ الثاني، وهو وخبره خبر عن الأول، ويجوز أن يكون ﴿الم﴾ خبر مبتدأ مضمر تقديره: هذه ألم، فتكون جملة مستقلّة بنفسها، ويكون ﴿ذلِكَ﴾ مبتدأ و ﴿الْكِتابُ﴾ خبره، ويجوز أن يكون صفة له، أو بدلا، أو بيانا، و ﴿لا رَيْبَ فِيهِ﴾ هو الخبر عن ذلك، أو يكون ﴿الْكِتابُ﴾ خبرا لذلك، و ﴿لا رَيْبَ فِيهِ﴾ خبر ثان.
تنبيه: ثمّ اعلم أنّ المتشابه كالمحكم من جهة أجر التلاوة؛ لما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه - قال: قال رسول الله: «من قرأ حرفا من كتاب الله، فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: ﴿الم﴾ حرف، بل ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف، ففي ألم تسع حسنات».
فائدة هذا الربع من هذه السورة ينقسم أربعة أقسام:
قسم يتعلّق بالمؤمنين ظاهرا وباطنا، وهو الآيات الأربع الأول إلى


الصفحة التالية
Icon